الوطن
حسن ابو طالب
العائدون من «داعش».. الإرهاب فى كل مكان
المتابع لأحوال الدول الرئيسية فى الإقليم الشرق الأوسطى بمكوناته العربية وغير العربية وامتداداته الجغرافية جنوب بلدان المغرب العربى، يتأكد أن هناك مخططاً من العمليات الإرهابية التى تستهدف رموزاً اقتصادية وأمنية وعسكرية على نحو غير مسبوق. وهى عمليات مرتبطة بأهم تنظيمين يعيثان فساداً وإجراماً فى وقتنا الراهن وهما تنظيم الدولة المعروف بـ«داعش»، وتنظيم القاعدة وملحقاتها من الجماعات الصغيرة التى تدين له بالولاء. وهو مخطط لا بد أن يسترعى الانتباه نظراً لأنه يجىء بعد التطورات الدرامية العسكرية فى الأشهر الأربعة الماضية التى حاصرت تنظيم داعش فى كل من العراق وسوريا، وتقترب من هدف إنهاء داعش فى هذين البلدين بعد أكثر من عامين ونصف من المعاناة والتضحيات والخراب.

هزيمة داعش وإنهاء أسطورته التى باتت قريبة إلى حد كبير فى سوريا والعراق هى خبر جيد بالتأكيد، لكنها هزيمة أقرب إلى أن تكون تكتيكية، لأن التنظيم استطاع أن يزرع مناصرين له فى العديد من البلدان العربية والأفريقية والأوروبية وكذلك فى داخل تركيا، وأن يستقطب جماعات إرهابية بكاملها كانت فى سابق الزمن محسوبة على تنظيم القاعدة. وكما رأينا فى حالة ليبيا فى الأشهر الستة الماضية، أن كثيراً من عناصر داعش وبعد أن اشتدت الضربات عليها فى سوريا والعراق انتقلت إلى ليبيا وتمركزت فى سرت وحاولت الامتداد إلى إجدابيا والتوسع فى بنغازى، مستفيدة من حالة الفوضى وانهيار مؤسسات الدولة فى هذا البلد، فضلاً عن توافر السلاح بكافة أشكاله وسهولة استقدام عناصر بشرية من كافة الجنسيات بحراً وبراً لتنضم إلى الخلايا أو المجموعات المسلحة فى المناطق المشار إليها، تمهيداً إلى التوسع شرقاً وغرباً وجنوباً.

حالة ليبيا على هذا النحو تذكرنا بالحالة التى مر بها تنظيم القاعدة فى أفغانستان بعد أن قامت الولايات المتحدة نهاية ديسمبر 2001 بإعلان الحرب الشاملة بغية القضاء عليه وعلى حكم طالبان كرد فعل قوى وانتقامى لهجمات 11 سبتمبر الشهيرة. فبعد أن تشتت التنظيم وفقد هيكليته فى أفغانستان تحول إلى مجرد مظلة فكرية وأيديولوجية للحركة الجهادية العنيفة، وأعطى لأعضائه -وهم من الجنسيات المختلفة- حرية العودة إلى بلدانهم التى جاءوا منها واستكمال مهامهم الجهادية وفقاً لقناعات التنظيم ضد أنظمة الحكم المحلية فى تلك البلدان، ومن هنا تشكلت ما يعرف بظاهرة «العائدون من أفغانستان»، التى عرفت مصر جانباً عنيفاً منها حتى منتصف التسعينات فى القرن الماضى، وحدث الأمر ذاته فى اليمن والسعودية والجزائر وتونس والمغرب وامتد إلى بلدان أفريقية أبرزها مالى وتشاد والصومال.

ومن قبيل المشابهة يبدو أن نهاية داعش فى سوريا والعراق سوف تعيد الظاهرة نفسها، ويمكن أن نطلق عليها «العائدون من داعش» إلى بلدانهم الأم لكى يواصلوا جرائمهم وعنفهم باسم الجهاد وصولاً إلى تحقيق هدفهم الأسمى المتمثل فى إنشاء راية خلافة واحدة ولو بعد حين. وهؤلاء العائدون من داعش كما كان العائدون من أفغانستان محملون بخبرات قتالية عالية، ولكن يزيدون عليهم بطاقة عنف بلا حدود، ولديهم رغبة جارفة فى الانتقام، وإشاعة الرعب بين الأهالى فى المناطق التى يمكنهم السيطرة عليها بعد تقويض سلطة الدولة فيها. ولما كانت تجربتهم فى داعش سوريا والعراق واسعة المدى فى القتل واستعباد الناس، فهم مؤهلون لتنفيذ عمليات دامية ومفاجئة دون أدنى اعتبار لأى قيمة إنسانية. وقد رأينا فى الأسابيع الثلاثة الماضية عدة عمليات تعبر عن هذا النهج الدموى فى أكثر من بلد عربى وغير عربى، مثل الهجوم على بنقردان فى تونس فى السابع من مارس الحالى، الذى استهدف إعلان إمارة إسلامية تابعة لداعش، والهجوم الذى نفذه فى وسط إسطنبول 19 مارس الحالى شابان ينتميان لتنظيم داعش لم يكونا مسجلين لدى الأجهزة الأمنية هناك، فى حين يُرجح بقوة وجود خلايا داعشية أخرى غير مرصودة أمنياً سوف تنفذ عمليات إرهابية أخرى، وهو الأمر الذى يفسر وقف بعض رحلات القطارات بين أنقرة وإزمير وإلغاء مباريات كرة القدم. ويمكن أن نضع عمليات الإرهابيين الأخيرة فى شمال سيناء التابعين لتنظيم بيت المقدس الموالى لداعش وهجومهم على كمين الصف بالعريش فى سياق ما نرجحه من ظاهرة «العائدون من داعش سوريا والعراق».

ولا يقتصر الأمر على هؤلاء الذين أعلنوا ولاءهم لداعش وخليفته المزعوم، فهناك أيضاً نشاط إرهابى لتنظيم القاعدة، ويمكن أن نضعه فى سياق التنافس الدموى بين التنظيمين وإثبات الوجود، وتمثل ذلك فى أكثر من حادثة ذات دلالة، منها الهجوم قبل أربعة أيام على منشآت نفطية جنوب الجزائر، واكتشاف الجيش الجزائرى المُستنفر على الحدود مع كل من تونس وليبيا لعدة مخازن تحتوى على أنواع مختلفة من الأسلحة. وهناك الهجوم الأخطر على منتجع غران باسام السياحى بكوت ديفوار، والواقع على بعد 40 كم من العاصمة أبيدجان. وفى السياق ذاته ما أعلنته السلطات المغربية عن تفكيك عدة خلايا إرهابية تابعة لكل من داعش وتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى. وهو التنظيم الذى يمد نطاق عملياته إلى كل بلدان المغرب العربى ومالى وكوت ديفوار والسنغال.

ومعروف تاريخياً أن تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى كان فى الأصل تنظيماً جزائرياً من بقايا الحرب الأهلية فى التسعينات من العقد الماضى وحمل اسم «الجماعة السلفية للدعوة والقتال»، ولكن زعيمه عبدالمالك درودكال قرر تغييره إلى اسمه الجديد «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى» فى يناير 2007 وأعلن ولاءه لأيمن الظواهرى ومعلناً تحوله إلى تنظيم إقليمى يمتد أبعد من الجزائر، ولكن التنظيم تعرض للانشقاق فى يونيو 2014، حيث انشق عدد من القيادات والمسلحين وأعلنوا ولاءهم للخليفة البغدادى المزعوم وشكلوا ما عرف بجند الخلافة الذى يعتبر فرعاً لداعش فى الجزائر، وكذلك تنظيم الدولة الإسلامية فى بلاد المغرب، وتم تبرير الانشقاق بسبب ما وصف بأنه نتيجة استغراق القاعدة فى منهج سلمى والذى يُعد انحرافاً عن المنهج الشرعى السليم!.

مثل هذه العمليات الإرهابية الخطيرة والمتزامنة فى أكثر من بلد لا بد أن تقرع ناقوس الخطر، ليس فقط فى كل بلد على حدة، بل فى الإقليم ككل، والواضح أن المواجهة الذاتية لكل بلد لهذا الخطر تقف عند حد معين فى النجاح، وما دام الخطر جماعياً فلا مفر من مواجهة جماعية وشاملة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف