نشوى الحوفى
قداسة القضاء.. تطوير الأمن.. وحرمة الدم
نعم.. فى الوقت، الذى قررت فيه فرنسا استبعاد عدد كبير من العاملين فى مؤسساتها الحيوية، ومنها المطارات لمجرد الاشتباه فى تعاطفهم مع الإرهاب وفكره، وفى الوقت الذى حُكم على زوجين فى الغرب بالسجن خمس سنوات، لنشرهم صورة لحادث إرهابى مصحوبة بتعليق ساخر على الفيس بوك، نقوم نحن بالإفراج عن محمد الظواهرى، قائد موقعة اقتحام وزارة الدفاع على شاشات التليفزيون وعدد من المنتمين للإخوان المحرضين على العنف والمنظمين له بدعوى أنهم قاموا بمراجعات فكرية داخل السجن! بينما نؤجل الحكم النهائى على «حبارة» المعترف -بجبروت- بقتل جنودنا، والمؤكد أنه لو عاد به الزمن لكرر فعلته، ولا ننفذ حكم الإعدام الصادر فيمن ألقى الأطفال من فوق سطح أحد بيوت الإسكندرية! وفى ظل كل حكم تجد من يحدثك عن قداسة القضاء وعدم صحة التعليق على أحكام القضاء، وهى مقولة لا أعرف من ابتدعها، ليمنح أحكام القضاء تلك القدسية التى لم تحظ بها أحكام الله، التى ناقش بعضها الفاروق عمر، وناقش مواءمتها للزمن، ليوقف العمل بآية «المؤلفة قلوبهم» مع اشتداد عود الدولة، ويعطل حد السرقة فى عام المجاعة.
نعم، أقولها وأكررها نحتاج لوقفة سريعة يقودها رجال القضاء لحماية القضاء والعدالة، التى باتت مشوهة بإجراءات وأساليب قضائية لا تعبر إلا عن ترهل الفكر القضائى فى مصر وحاجته إلى تغيير جذرى، حمايةً لحقوق الناس التى ما جعل القضاء إلا لحمايتها لا لحماية قدسية القضاء فى حد ذاته، فما جدوى قدسية القضاء إن فقد فاعليته؟ وما جدوى قدسية القضاء إن تأخر تنفيذ العدل بين الناس؟ وما جدوى قدسية القضاء إن تركنا المجرم والفاسد والإرهابى ينعمون بأمان الأبواب المغلقة عليهم فى السجون، بينما يمارسون عبر أصابع فسادهم وإرهابهم كل أشكال إجرامهم بين الناس؟ فمتى نستشعر الخطر، ومتى نفكر فى قدسية أمان الإنسان الذى يتراجع يقينه فى القصاص والعدالة كل يوم، حتى بات يتشكك فيهما؟
نعم نبكى من يرتفع للسماء من شهدائنا كل يوم، ولكننا لا نفكر ولو للحظة واحدة فى منظومة الأمن التى وفرناها لهم كى يؤدوا عملهم كما يجب أن يكون بما فى ذلك حماية أنفسهم إلى أن يقدر الله أمراً كان مفعولاً. كلنا نشاهد فقر الأكمنة على الطرق وكلنا يعلم حجم وطبيعة المعدات التى يتطلبها العمل الأمنى ولم نسع لتوفيرها حتى اليوم، وكلنا يدرك حجم وقدرات المجندين فى الشرطة وعدم قدرتهم على مواجهة الكثير من الأمور الأمنية. فى وقت تتصاعد فيه قدرات التكفيريين والإرهابيين الذين نعلم كيف تمولهم وتسلحهم أجهزة مخابرات عالمية وإقليمية، ليبقى السؤال: ما الذى يعطلنا حتى يومنا هذا عن تغيير السيستم الأمنى للأفراد الذين يبذلون قصارى جهدهم ليعوضوا غياب تلك المنظومة.. ولكن إلى متى؟ سؤال معلق فى رقاب المسئولين عن الأمن فى بلادى فى وقت تقدم كل أسرة أغلى ما تملك لحماية وطن لا نملك سواه.
نعم، أدرك معنى التسليم لقضاء الله وقدره، وأعلم أن لكل أجل كتاباً، وأعلم أنه إذا جاءنا الموت فلن نتأخر ثانية واحدة عن تسليمه وديعة الله، ولكننى أؤمن أيضاً بالمبدأ النبوى: «اعقلها وتوكل». افعل ما عليك، ثم اترك للقدر تصاريف تنفيذ مشيئة الله. اضبط فكر وأسلوب التسليح وعناصر الأمان من أجهزة إنذار ومراقبة فى كل كمين، ثم توكل على الله. راجع إجراءاتك وأساليب تقاضيك ومنح الحقوق للناس والاقتصاص من كل ظالم، ثم اركن لفعل الله. يا سادة القضاء والأمن فى بلادى سلمنا بمنح الوطن كل ما نملك حتى العزيز الغالى، ولكن اعقلوها لتؤكدوا حمايتكم لحرمة الدم.