د. محمود خليل
سها هانم.. رقصت على السلالم
فى أوائل السبعينات، أذاعت محطة البرنامج العام -الجمهورية العربية المتحدة حينئذ- مسلسلاً بعنوان: «سها هانم رقصت على السلالم»، بطولة الثنائى «فؤاد المهندس وشويكار». كان المسلسل الذى يجمع الاثنين طقساً معلوماً من طقوس رمضان لمن عاصروا هذه الفترة، لم يذع من المسلسل سوى بضع حلقات، ثم اتخذ وزير الإعلام وقتها عبدالمنعم الصاوى قراراً بوقف بثه، بسبب الإسفاف!. كانت كوميديا الثنائى الشهير حينذاك هى منصة إفراز العديد من المفردات، التى كانت تتهم بالركاكة، لكنها كانت تحمل فى طياتها زخماً دلالياً يفهمه جيداً من عاشوا هذه المرحلة من تاريخ مصر بما تزاحم فيها من أحداث. كانت عبارات من فصيلة «الفلة فى المنافلة».. و«الإزازة فى البزازة».. و«الطوربيد المكشكش».. وغيرها تثير ضحك المستمعين، وتعلق فى أذهانهم، لكنها فى الوقت نفسه لم تكن تبرأ من دلالات أعمق، كان يجيد الكاتب الراحل «بهجت قمر» تحميلها فى كل عبارة منها.
سها هانم.. عبارة محترمة لا تحمل أى إسفاف، يبدو أن المشكلة كانت فى «رقصت ع السلالم»، فربما رأى البعض أنها عبارة خفيفة يعوزها الوقار، رغم أن المسلسل كان كوميدياً، مثل مسلسلات كثيرة أبدعها «المهندس وشويكار»، ومن الطبيعى أن تكون العبارات التى تعنون بها هذه المسلسلات خفيفة هى الأخرى. الغريب فى الأمر أن عبارة «رقصت ع السلالم» مستمدة من مخزون الأمثلة الشعبية المصرية، فهناك مثل نعرفه جميعاً يتحدث عن الراقصين على السلم: «فلان رقص ع السلم لا اللى تحت شافوه ولا اللى فوق شافوه». المثل يعكس جانباً من جوانب ثقافتنا، فكلنا خاض هذه التجربة، أو عاش هذه الحالة التى تدفع صاحبها إلى الوقوف فى منطقة وسطى، فتكون النتيجة ألا يراه أحد، لا هذا ولا ذاك، فمن يمسك العصا من المنتصف لا يستطيع بحال الضرب بها.
«سها هانم.. رقصت ع السلالم» كانت تعبيراً عن حالة اجتهد فنانون كثر فى التعبير عنها، أذكر منهم على سبيل المثال: الكاتب الراحل «يوسف عوف»، صاحب مسرحية «هالو شلبى»، فقد أسس واحداً من أجمل مشاهدها على هذه الفكرة، عندما وجد «عنبر» -بطل المسرحية- نفسه فى موقف لا يحسد عليه بعد أن تراكمت عليه ديون «اللوكاندة»، مما كان يفرض عليه الهرب من صاحبها الذى يطارده بدفع ما عليه، لكنه فى الوقت نفسه كان مضطراً إلى البقاء -رغم المطاردات- حتى يكمل المسرحية التى يريد إنتاجها، فى هذا المأزق تردد على لسان البطل، عبدالمنعم مدبولى، عبارة عجيبة للغاية، قال فيها: «مقدرش أمشى ومقدرش أستنى»!. ماذا تعنى هذه العبارة؟. إنها تحمل متناقضين، فالإنسان إما يمضى أو ينتظر، ليس بين هذين الفعلين فعل. إنها حالة تثير العجب، وقد أعاد إنتاجها بعد ذلك الفنان «لينين الرملى» فى مسرحية «تخاريف»، فى إطار شخصية سونيا التى حيرت «العفريت» -صانع المعجزات- حين لم يفهم منها هل تفضل أن تكون رجلاً أم امرأة؟، فحل اللغز بأن قال لها: «روحى النص دا راجل والنص دا ست»، فأعادت «سونيا» حدوتة «سها هانم»، التى رقصت على السلالم!.