الجمهورية
يسرى السيد
وبدأت رحلة تطوير الخطاب الحضاري والديني من دار العلوم بالمنيا!!
هل نجح الغرب وبالتحديد الامريكان للابد في اشعال المنطقة العربية بنيران الصراعات المتعددة. يجتمع بعضها في مكان او تتفرد في مناطق بعينها او تتوحد في مكان آخر؟...لن اقول من السبب لان الاسباب الرئيسية من داخلنا قبل ان تكون من خارجنا.. وفي مقدمتها ديكتاتورية انظمة الحكم في بلادنا ولسنوات طويلة لم نعد نذكر عددها من كثرتها. ولم تقتصر المصيبة علي قطر دون غيره وان تراوحت وتباينت نسبتها. لكنها اتفقت في الهدف ونجحت فيه بامتياز وهو تحقيق ما لم يحلم بل وفشل فيه الاسرائيليون. وهو بناء كيانات عملاقة من المرض والجهل والتخلف في بنيتنا الاجتماعية والعلمية والسياسية والاقتصادية...المهم ومع تأجج نيران الصراع حول الثابت والمتحول. والدين والقومية والهوية والاعراق. والجماعات و الاجناس والوطن.. الخ اصبح لزاما علينا التوقف بمنظار العلم لقراءة وتحليل خطابات الازمة لانها لم تعد ازمة واحدة. والوصول لروشته علاج تتجاوز المحنة قبل ان نصبح جميعا لنجد انفسنا مع الجماعات والاوطان المندثرة!!
طبعا لن تقوم بهذه الخطوة الا عقول تتخذ من المنهج العلمي طريقا بعيدا عن تراثنا الحماسي والخطابي. الذي لم يعد صالحا للعلاج مع الاغاني والشعارات. نعم نحتاج الي الدواء المر. واذا لزم الامر الي مشرط الجراح.. لكن السؤال هل لدينا بالفعل النخب والعقول التي يمكن ان تقوم بهذه المهمة الصعبة؟
الاجابة صعبة للاسف ومع ذلك لانملك ترف ورفاهية التشاؤم في نخب تخللتها الامراض. ومراكز علمية اصابها ما اصاب اوطاننا من عطن. ومع ذلك ليس امامنا الا المحاولة. ورحلة الالف ميل تبدأ بخطوة وغالبا ماتكون الخطوة الاولي حبلي بالامنيات الطيبة والانجازات الضعيفة. لكنها تكون بمثابة نقطة الضوء التي تدلنا علي امكانية فض حلكة النفق المظلم وبداية الرحلة لاختراق النفق المظلم. فالافضل ان نصل متأخرين للقطار بدلا من عدم الوصول اصلا!!
واعتقد انها الخطوة الاولي في الجامعات المصرية التي تبدأ رحلة الالف ميل في مرحلة البحث العلمي حول الدخول لخطاب الازمة من جهة. ومن جهة ثانية وبغض النظر عن حجم النتائج البدء في مشروع تجديد الخطاب العلمي الذي يفضي الي تكريس خطاب حضاري تتحقق معه دعوة العديد من المفكرين والسياسيين وفي مقدمتهم الرئيس عبدالفتاح السيسي لتجديد الخطاب الديني والاعلان بشكل علمي وعقلي واكاديمي علي ان الدين جوهره الاعتدال والتسامح. والبناء والتقدم. وليس التخريب والارهاب والترويع...
اقصد ما قامت به كلية دار العلوم بجامعة المنيا بمؤتمرها السنوي الذي يعود من جديد بعد توقف منذ قيام ثورة 25 يناير 2011 حتي عاد من جديد وبدأ اعماله ظهر الاحد وحتي مساء الثلاثاء الماضيين.. المؤتمر اتخذ من وسطية الفكر في الدراسات العربية والاسلامية عنوانا له ودعا له حشد من الباحثين والاكاديميين من بعض الدول العربية والعديد من الجامعات المصرية.. وفي اللحظة الاولي التي قرأت فيها عنوان المؤتمر ترحمت علي د. عبدالحميد ابراهيم الذي عقد عدة مؤتمرات حول الوسطية في كلية آداب المنيا منذ سنوات. وله عدة مؤلفات حولها وكان يعدها مشروعه الفكري...
البداية كانت ساخنة بمحاضرة د. مختار جمعه وزير الاوقاف التي مست قلوب الطلاب مثل خطب الجمعة مع كلمات اللواء طارق نصر محافظ المنيا ود. جمال الدين ابو المجد رئيس جامعة المنيا ود. محمد الريحاني عميد كلية دار العلوم..
لكن الذروة كانت في النقاش داخل قاعات البحث حول العديد من المحاور في مقدمتها الامتداد التطبيقي للخطاب التنظيري للوسطية بوصفها رؤية للعالم في جوهر الدين الاسلامي والبحث في تجليات ممارسة الوسطية في العلوم العربية والاسلامية..وحاولت بعض الابحاث او الافكار رغم قلتها ضمن عشرات الابحاث ان تساهم في جدل منهجيات العلوم الانسانية في ظرفها التاريخي المعاصر. حيث تشهد مصائر البوار والاخفاق كما يقول د. محيي الدين محسب في كل مشاريع النظريات والفلسفات والايديولوجيات. التي استقطبها الانحياز والتطرف الي جانب او طرف دون الآخر من الثنائيات المتقابلة مثل : الشكل والمحتوي. والذات والجماعة. والقدامة والحداثة. والفرد والمجتمع. واللغة والكلام. والغريزة والثقافة. والخصوصيات والعموميات. والوطن والامة.. الخ.
واهمية تحديد مصطلح الوسطية بشكل علمي كانت مطلوبة حتي نبني عليه الاجتهاد البحثي دون تشعب بالاضافة الي تحديد الفترة الزمنية ومدي ملاءمة الفترة الراهنة لها خاصة ونحن نناقش قضايا الفكر الاسلامي المعتمد علي اصول فقهية. بالاضافة لبديهيات كدنا نفقدها في بعض الابحاث مثل بديهية الحياد العلمي غير المحملة بالعاطفة الدينية او المشاعر الجارفة التي تجعل المشرط يهتز في يد الجراح. اقصد الباحث وهو ما لم يتحقق في بعض الابحاث رغم الجهد المبذول فيها.
واعتقد ان اهم النتائج الايجابية للمؤتمر ومثله هو تدريب طلابنا علي احترام البحث والجهد العلمي حتي ولو رأيناه مكررا. وان الفكر لابد ان تتعدد مدارسه. بل وتتصارع. وان الخلاف حول التفسير والتأويل للوصول لنتائج جديدة هو هدف اي بحث علمي أو جهد عقلي. وان الاصرار علي رأي دون تقبل وجود نقيضه ومناقشته واحترامه رغم الاختلاف معه آفة المجتمعات المنغلقة الي لا امل في تقدمها!!
مثلا طرح البعض افكار الامام ابن تيميه باعتباره فكرا وسطيا يحترم مخالفيه وكان سؤالي الذي لم اجد عنه اجابة سريعة لكنني رميته في هذه البحيرة علني اجد اجابة علمية ذات يوم : كيف تكون افكار ابن تيميه كما يقول بعض الباحثين في المؤتمر انها وسطية وفي نفس الوقت تشكل افكار هذا الرجل دستور وقوانين ومرتكزات الفكر المتطرف الذي وصل لحد رفع السلاح وقتل من نطق الشهادين بعد تكفير المجتمع كله واستحلال دمه وعرضه وارضه!!
نعم الاجابة العلمية تحتاج لوقت وجهد لكن الاخطر في ذلك هو التعصب الذي يصيب بعض الباحثين في الدفاع عن افكار الرجل التي تصل الي حد التناقض. والمطلوب طبعا بعيدا عن مناقشة الافكار لهذا الرجل او غيره عدم اغفال السياق التاريخي من جهة وبحث مدي التغيير الذي حدث في مسيرته العلمية ان وجد مع تقدم تجربة الرجل الفكرية علي مدي سنوات عمره..و اعتقد ان البحث الجاد هو السبيل الوحيد للاجابة عن هذه التناقضات المذهلة التي نراها في افكار ابن تيميه وتصل الي حد جعله المرجع الفكري والفقهي والحجة التي لا يدانيها حجة عند ائمة التطرف والارهاب وفي نفس الوقت يراه بعض الباحثين انه حجة في العقل والوسطية والسماحة... كيف ولماذا ؟ ...كلها قضايا تحتاج لجهد علمي كبير لكشف الاسباب وبيان المزور والمزيف والمدسوس في فكر هذا الرجل ان وجد في كلا المرتكزات التي يعتمد عليها المعسكران المتناقضان!!
واعتقد ان توصيات هذا المؤتمر جديرة بالنقاش ومهمة في مرحلة العلاج مثلا الدعوة الي تبني رؤية وسطية في مناهج وفلسفة التعليم وترسيخ قيم تعدد المنظورات وتفاعلها وتكاملها. فلا تستقطبه احادية التفسير او انغلاق الدلالة او تلقين المعلم والتلميذ. والتركير علي كيفية تنمية حيوية عقل المتعلم وحريته وقدراته في ربط الظواهر وتعميق الصلات بين القضايا. كما اعتقد ان توصية المؤتمر للمجلس الاعلي للجامعات في مصر ومثله في البلاد العربية الي اعتماد مقرر خاص بالثقافة الوسطية حتي نبني شخصية معتدله توصية جديرة بالتطبيق....يعني باختصار التعليم ثم التعليم ثم التعليم هو ميدان المعركة الاول واعتقد ان تنقية بعض المناهج ليس من الحشو فقط لكن من النصوص التي تدعو للتعصب والتزمت هي بداية رحلة بناء انسان جديد. فلا يعقل ان نعلم اطفالنا مباديء نفي المختلف معنا داخل الوطن بسبب دينه مثلا. بل ووصمه بالكفر في¢كي جي ون¢ تعليم. ثم نستعجب بعد ذلك فيمن يتهم المجتمع كله بالكفر حتي ولو كانوا من ابناء ديانته بعد تخرجه في جامعاتنا ومدارسنا!!...ويأتي الفضاء الثقافي والاعلامي ليكون الميدان الثاني في المعركة نحو محاربة التعصب والتخلف بعيدا عن التناحرات الوقتية التي لا تزيد عن كونها محارق للوقت وفيروسا ناجحا للتناحر والفرقة..
لكن الخطير في الامر ان بعض الباحثين او المنتسبين للفكر الاسلامي ما زالوا يتشبثون بماض يرونه عظيما. ولا يشغلون انفسهم بحاضر مزر. ومستقبل مجهول. قد لانكون نحن فيه اذا ظل اصرارنا علي الخروج من عجلة الحياة. باحتقار العلم. والتشبث والانشغال بامور واهية. ومحاولة القيام بدور الشهادة علي العالم واعلاء نزعة الاستعلاء علي العالم من خلال سلوكيات ونزعات متعددة من الانغلاق او الاستعداء بالعنف والارهاب وتصديره لهم باعتباره بضاعة اسلامية دون ان نكتب :¢ صنع في امريكا ¢ او صنع في اسرائيل او صنع في اوربا ¢ بعقول غربية لكن بايد عربية او بايد اسلامية... باختصار علينا ان نسأل انفسنا :¢لزمتنا ¢ايه في العالم الآن ونحن في بحار الجهل والتخلف والتعصب؟... وماذا نقدم للحضارة؟... وباي وجه او معيار نطلب حق الحياة والاستمتاع بمنجزاتها ونحن لانشارك بالجهد والعرق فيها؟!... وكيف نتغني بالاسلام ولانقدمه كنموذج عملي الآن للتحضر والرقي من خلالنا. فكما يقول حسين مؤنس : ان معيار الحكم علي جماعة ما بانها متحضرة أو غير متحضرة انما هو في مدي ما يثمره جهدها من تحسن مادي او معنوي. بمعني ان الفرق بين جماعة واخري هو في المستوي الحضاري ¢... ويكون السؤال ماهو مستوانا الحضاري الآن؟... واذا كنا في الدرك الاسفل من التخلف الحضاري. فعيب وسبة لنا ان ننسب انفسنا لهذا الدين من جهة وهو منا براء!!.. ولا يحق لنا ان نتشدق به ونحي نفعل بصورته ما لم يستطع فعله ألد اعدائه!!
وبهذه المناسبة وبعد النجاح منقطع النظير الذي حققه المخطط ¢الصهيوامريكي¢في تأجيج الصراع بين ابناء الدين الاسلامي بين سنه وشيعة. بل وبين ابناء المذهب الواحد حيث تجد الرايات مختلفة الوانها وتحمل شعارا واحدا "لا اله الا الله محمد رسول الله" لكنها ملطخة بدماء المسلمين المسفكة ببارود وسيناريوهات امريكية... المهم في ظل هذه الاجواء هل ننسحب كما فعلنا من ساحة حوار الاديان والحضارات والثقافات والي الابد؟ والا يختلف ذلك مع مقاصد الدين الاسلامي وقرآنه الكريم وسنته النبوية ¢ادعو الي ربك بالحكمة والموعظة الحسنة... ¢. ¢ولو كنت فظا غليظ القلب لا انفضوا من حولك¢.
اخيرا هذا المؤتمر خطوة في رحلة الالف ميل تستحق التحية لكل فريق العمل من اساتذة ومعيدي وطلاب كلية دار العلوم وعلي رأسها عميدها د. محمد الريحاني واهمس في اذنه: مبروك.. لكن علينا تجنب هنات هذا المؤتمر في المؤتمر القادم بتقليل عدد الابحاث لتكون في صلب عنوان المؤتمر حتي لا يضيع جهد الباحثين من جهة ونعطي وقتا اكبر للحوار والنقاش حول القضايا الخلافية لنخرج بنتائج علمية تفيد الوطن ونعلم طلابنا بشكل علمي ان الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية كما ينشرها د. محمد عبدالله حسين وكيل الكلية لشئون الظلاب بفن وحرفية علي خشبة منهج المسرح العلمي الاكاديمي والاهم من ذلك ان نتعلم جميعا فقه الاختلاف كما قال د. محيي الدين محسب للمختلفين. والاهم من ذلك نصوب جميعا الهدف في المرمي مباشرة بلغة اهل كرة القدم!!
¼ هامش
عدم وقوف احد الضيوف العرب اثناء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر عندما طلب د. مختار جمعه وزير الاوقاف الوقوف دقيقة حدادا علي ارواح الشهداء اثارت استهجانا من الكثيرين خاصة انه كان علي المنصة!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف