طارق تهامى
نور -رسالة إلى صاحبة الجلالة....« أمى »!
< مولاتى صاحبة الجلالة«أمى »الحبيبة:
تحية إليكِ من عالم الشقاءِ، لروحك الطاهرة فى عالم الخلود.. أعرف أنكِ ستشعرين برسالتى قبل أن تقرئيها، مثلما كنتِ تشعرين بى عندما كنت أسافر عبر الحدود، فى مشوار طويل سافرت فيه لبلدان الدنيا باحثًا عن طموح الذات، لأكتشف فى النهاية أن رضاكِ عنى كان أكبر الإنجازات.
هل تذكرين حادثة التواصل الشعورى التى جَرت عندما كنت مسافرًا للولايات المتحدة عام 2003 عندما تم احتجازى لثلاث ساعات فى مطار واشنطن بسبب ارتباك أمنى فى الولايات المتحدة عقب أحداث 11 فبراير، ورغم سماحهم لى بدخول أمريكا بعدها إلا أنك كنتِ تشعرين بى، فقد قال لى أخواى خالد وإيمان أنك استيقظت من النوم خلال نفس لحظة الاحتجاز، فى الثالثة صباحًا، فزعة، باكية، صارخة، وقلتِ لهم ولوالدى رحمه الله «طارق فى ضيق.. عنده مشكلة» وقد اعتقدوا جميعًا إنك تبالغين، أو أن القلق الزائد علىّ جعلك تنامين بكل مؤهلات الكابوس،وقالوا لى أنك كنت مُصرة على اتصالهم الفورى بأصدقائى وبقيادات الوفد، وأنك تجاهلتِ وجود أزمة فى توقيت الاتصال غير المناسب، وقلتِ لهم «ماليش دعوة شوفوا لى ابنى فين».. كانوا جميعًا على خطأ يا أمى.. وأنتِ وحدك على حق.. لقد كنت محتجزًا بلا سبب، لمدة ثلاث ساعات عجاف.. لقد شعرتِ بى وأنا وراء المحيطات.. وكان دعاؤك سببًا فى فك الكرب، وزوال القيد،وتسريب الضيق.. فأنت الأم وأنت الصاحب الصدوق.. وأنت صاحبة الجلالة التى لا يرد لها دعاء.
< مولاتى صاحبة الجلالة «أمى» الحبيبة:
تعيشين فى جنة الخلد منذ عام والنصف عام، تاركة وراءكِ دعاءً يكفينى حتى ألحق بكِ على خير، ولكننى أود أن أصارحك، بأننى لا أشعر بطعم الدنيا بدونك، واعذرينى لأن رائحة الذكريات معك تبكينى، فلم أعد قادرًا على زيارة منزلنا كثيرًا لأننى أبقى بالوجع مكلومًا، وأظل دامعًا حتى أغوص فى ماكينة الحياة التى لا تنتهى.
هل شعرت بى عندما دخلت حجرتك فى زيارتى الأخيرة؟ هل تابعتنى عندما قمت بتقبيل سريرك؟ هل أدركت حجم الوجع الذى أشعر به،عندما قمت بالطبطبة على موضع رأسكِ؟ أتدركين أننى أشعر بالتيه كلما بحثت عن مواضع قدمك فى بيتنا العتيق؟ المكان أصبح موحشًا دونك.. حتى عندما أسعى لزيارة أشقائى مصطحبًا أولادى.. ابنتى «نور» تقول لى دائمًا: «معلهش يابابا.. مش قادرة أروح البيت وما أشوفش تيتا».. و«مصطفى» يردد دائمًا «البيت وحش من غيرها».
< صاحبة الجلالة«أمى »الحبيبة:
مازلت فى حاجة إلى دعائك.. فالحواجز كثيرة.. والعقبات أكثر.. وأنت الأمل فى أن أتخطاها.. مازلت فى احتياج لا ينقص لدعائك الذى مازال يرن فى أذنى «ربنا يبعد عنك ولاد الحرام».. يااااه... كنتِ تعرفين أيتها الصعيدية البسيطة أن هذه الدنيا مملوءة بالوحوش.. وأن من يريد الجرى فيها لابد له من تجنب الأشرار.. وحماية نفسه من الغادرين.. كان درسًا فى دعاء.. وكان بحثًا لابنك عن طوق نجاة من مشوار صعب قرر السير فيه.
< صاحبة الجلالة:
لقد طال غيابك.. ولا أعرف كيف مرت الأيام والشهور دونك.. وأعرف أنها سنة الحياة..ولكن لى عندك رجاء.. أن تشفعى لى عند حبيبك.. رسول الله صلى الله عليه وسلم..أنا أعرف أنك قريبة منه.. فأنت لم تتركى فرضًا طوال عمرك الذى توقف عند التاسعة والستين.. ولم تتأخرى عن فعل الخير كلما كان لديك القدرة.. ولم تقدمى على إيذاء بشر بفطرتك الريفية وأصلك الطيب.. واعرف أنه حبيبك الذى رضيتِ به رسولا.. فاشفعى لنا جميعًا عنده.. لكى يشفع لنا يوم القيامة عند رب العالمين.. فقد اقترب الأجل مهما طال الزمن.. ولم يبق لنا سوى العيش برضا الله ورحمته.. قبل الاستناد لصالح الأعمال.
< أمى:
فى ساعة الميعاد سنلتقى.. فإلى لقاء معك ومع والدى الذى نعيش بسيرته الطيبة وسمعته الحسنة.. وإلى هذا الحين ستبقى أنتِ نبضًا لا يتوقف.. وابتسامة لا تزول.. وحبًا لا ينقص بل يزيد.
الله يرحمك يا أمى.. اعذرينى لأننى نقلت لك أوجاعى.. الأمر ليس بيدى.. ولكننى أرتاح عندما أتحدث أليك.. فالحجر الناقص فى حياتى مازال معك.