الأهرام
أحمد يوسف أحمد
هل من كلمة سواء ؟
يُخيل لمن يتابع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى أن مصر فى حالة شجار عام ينبع من الشأن السياسى
ويتسلل منه إلى باقى جوانب حياتنا، والشجار دائر بين طرفين متناقضين ولغته حادة وأحياناً بذيئة، وبعض المشاركين فيه لا يرون إلا السواد وبعض آخر يرفع شعار الكمال، والغريب أننى لاحظت من خلال احتكاكى بأفراد ينتمون إلى الطبقتين المتوسطة والفقيرة أن هذا الاستقطاب غائب، فالمواطن العادى يرحب بالإنجازات عندما تحدث وينسب الفضل فيها لأصحابه ويضيق بالتقصير الذى يفضى إلى مصاعب حقيقية فى حياته اليومية وهو عندما يضيق يحاول أن يبحث عن الأسباب ويقترح الحلول، فهل يمكننا أن نتأسى به ونحاول أن نصل إلى كلمة سواء تعيننا على أن ننطلق بسرعة وكفاءة نحو تحقيق أهدافنا أم كُتب علينا أن نبقى أسرى لهذه الحالة غير المنتجة ؟

ولنبدأ القصة من أولها فلقد تعرض الوطن لمحنة حقيقية تحت حكم الإخوان أعان الله مصر على اجتيازها بغضبة شعبية غير مسبوقة وفرت المؤسسة العسكرية الوطنية دوماً سبل نجاحها، ولعب قائدها فى هذا السياق دوراً استثنائياً أكسبه شعبية غامرة وقد ظنه البعض يوماً صنيعة للإخوان المسلمين فإذا به نموذج للقيادات الوطنية التى أنجبتها هذه المؤسسة عبر تاريخ مصر الحديث ، وتُرجمت هذه الشعبية فى انتخابه لاحقاً رئيساً للجمهورية بأغلبية ساحقة، وكشفت الأيام الأولى لتوليه الرئاسة عن قائد مفرط الوطنية مخلص لبلاده حريص على رفعتها متعجل فى النهوض بها متدين فى غير ادعاء طاهر اليد واللسان كما يشهد كل من تعامل معه ، ومنذ الأيام الأولى لرئاسته بدأ العمل فى اتجاه تحقيق إنجازات استراتيجية يأتى على رأسها دون منازع حماية كيان الدولة المصرية فى مواجهة الإرهاب، ثم انتقل إلى حماية تماسك المجتمع سواء من خلال خطابه السياسى أو مبادراته العملية فأكد الطبيعة السمحة للإسلام وأصلح ما أُفسد فى عهد الإخوان وكان أول رئيس مصرى يزور أقباط مصر فى كاتدرائيتهم لتهنئتهم بالعيد رغم أنف الضالين، وبدأ عملية استعادة الدور الإقليمى لمصر بنجاح رغم القيود واخترق جدار العزل الذى فُرض عليها بعد 30 يونيو بحجة أن انتفاضة الشعب كانت انقلاباً وشرع فى إنجاز عدد من المشروعات القومية الكبرى وحاول تعزيز إجراءات العدالة الاجتماعية.

لكن المشكلات تأتى مع العمل وفى هذا السياق ظهرت مع الوقت مشكلات حقيقية فمواجهة الإرهاب كانت لها تداعياتها لما صاحبها من إجراءات ضيقت على سكان المسرح الرئيسى للإرهاب فى سيناء، وفى إطار الحفاظ على أمن النظام اتُهمت المؤسسة الأمنية بتجاوزات فى تصرفاتها والمؤسسة القضائية بمبالغات فى أحكامها وزاد على ذلك تصرفات مرفوضة من بعض المنتمين إلى المؤسسة الأمنية اعتبرها الرأى العام ردة إلى مناخ ما قبل ثورة يناير وانتكاسة للتطور الإيجابى الذى طرأ على العلاقة بينها وبين الشعب، ويضاف إلى ذلك أن ضربات الإرهاب من حين لآخر ألحقت أضراراً بالغة بالسياحة ذات الأهمية الكبيرة كمصدر للعملة الصعبة وأن الدوائر المالية المرتبطة بالإخوان المسلمين نجحت فى مفاقمة أزمة الدولار، وكذلك ما لوحظ من أن مؤسسات الدولة البيروقراطية أظهرت عجزا واضحا عن التكيف مع متطلبات الانطلاقة التى يسعى الرئيس إلى تحقيقها فى التنمية، وزاد على ذلك كله انتقادات وُجهت إلى توجهات المشروعات التنموية الجديدة بعضها سخيف لكن بعضها الآخر جاد كما فى الآراء الموضوعية المتعلقة بطبيعة هذه المشروعات وأولوياتها وكذلك انتقادات طالت تزايد دور القوات المسلحة فى التنمية وإن لم يدع أحد أن ذلك قد جاء على حساب دورها الأصيل، وأخرى تناولت آلية اختيار القيادات خاصة أن بعضها رسب فى أول اختبار وأخيراً وليس آخراً كان الحديث عن قتل السياسة بفعل فاعل وهو ما اعتُبر مسئولاً عن تدنى نسبة المشاركة فى الانتخابات البرلمانية ومن ثم عن الصورة التى ظهر عليها مجلس النواب تكويناً وأداءً .

وبافتراض أن جميع الانتقادات السابقة صحيحة فإن ما يقلقنى هو توجه التعامل معها إذ إن قطاعاً يعتد به من أصحابها ينسب المسئولية عنها للرئيس حصراً أو على أقصى تقدير لمؤسسات الحكم التى لم تتأثر بما شهدته مصر من تغير عقب ثورة يناير، ومن المؤكد أن الرئيس بحكم موقعه مسئول عن أى تقصير وكذلك مؤسسات الحكم، لكن السؤال المحورى يتعلق بمسئولية قوى المجتمع من ناحية أخرى ، فهل نرضى عن حال القوى المدنية السياسية التى لم تلعب دوراً يذكر فى تفجير الثورة ونجاحها وإنما لعبت هذا الدور فئة واعية جسورة من شباب مصر سرعان ما أصابها التشرذم على نحو مخيب للآمال العظيمة التى أحيتها الثورة فى نفوسنا؟ وقد مر حتى الآن أكثر من خمس سنين على الثورة دون أن نلحظ تقدماً نوعياً فى حال تلك القوى ولا يجوز الاحتجاج بقيود مفروضة عليها فقد حطمت الشعوب القيود دوماً عندما أرادت، وهل مازالت قطاعات الشباب التى اختارت العزلة عما يجرى رفضاً له أو تحفظاً عليه مقتنعة بأن هذا هو السبيل الأمثل لخدمة الوطن خاصة أن بعض هؤلاء الشباب يكتفى بدور الساخر المسفه لأى تصرف وأى إنجاز؟ وهل يشعر من قاطعوا الانتخابات النيابية بالرضى عن نتيجة مقاطعتهم خاصة أنه لا خلاف على أنه فى المواقع التى شارك فيها المواطنون بكثافة وصلت عناصر ممتازة إلى مجلس النواب والعكس صحيح؟ وكيف نتكاتف جميعاً لزيادة وعى البسطاء حتى لا يخدعوا ببعض العناصر العجيبة التى دخلت المجلس؟ والخلاصة أنه آن الأوان للسعى إلى كلمة سواء نتفق فيها على أن ثمة محاولة مخلصة وجادة للنهوض بالوطن وأن هذه المحاولة تعانى مشكلات حقيقية وأن سبب هذه المشكلات والطريق إلى حلها مسئوليتنا جميعاً بعيداً عن الأفكار الساذجة وربما المخربة التى تتصور أن الحل يكمن فى ثورة ثالثة وكأن مصائر الأوطان لعبة فى أيدى أطفال ، وتتحمل القيادة السياسية دون شك مسئولية خاصة فى هذا الصدد بمزيد من التواصل مع الرأى العام ونخبه الجادة المخلصة ومزيد من الاستجابة لمطالبهم المشروعة .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف