لا أظن أن العالم العربي كان يوما ما بحاجة إلي بناء منظومة أمن عربية بقدر احتياجه لها هذه الأيام التي تعالت فيها أصوات الذئاب والثعالب والعقارب الإقليمية وهو ما دفع ببعض الأنظمة العربية إلي استسهال استيراد الأمن من الخارج وكأننا ــ نستجير من الرمضاء بالنار!
وأيضا فلست أظن أنني بحاجة إلي تسمية الذئاب والثعالب والعقارب التي تهدد الأمن العربي فالكل يعلم ماذا جري لأمتنا في السنوات الخمس الأخيرة من تفكك وانهيار واضطرار كل وطن عربي للانكفاء علي النفس والذات مما شجع إيران علي تنامي رغبات الهيمنة والتغلغل والعمل علي هز الاستقرار في الخليج والشام وتوازي مع ذلك جنون تركي أردوغاني لاستعادة أزمان الخلافة ومجد اسطنبول القديم بينما تشعر إسرائيل لأول مرة منذ نشأتها عام 1948 بأنها باتت أقرب ما تكون إلي تحقيق حلمها التاريخي دون منغصات.
لكن الذي يستلفت النظر أن العقارب والثعالب والذئاب التي تقض مضاجع الأمة العربية وتدفع بها باتجاه خيار «الأمن المستورد» هي التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالدول الموردة للأمن من الغرب والشرق علي حد سواء... وهو ما يعني أن المسألة لا تعدو كونها مسألة توزيع أدوار علينا لكي نظل مجرد بضاعة للمقايضة بين ما هو إقليمي وما هو كوني فنحن وحدنا الخاسرون وهم وحدهم المستفيدون من استمرار حالة الغيبوبة العربية التي ازدادت حدة بفعل عواصف الربيع العربي المزعوم الذي تشاركوا ــ دوليا وإقليميا ــ في التحريض عليه والاختراق العميق لصفوفه باستخدام كل أدوات القوة الناعمة في البداية ثم التورط في توفير أدوات القوة المسلحة في المراحل التالية بالقدر الذي لايسمح باشتعال كامل يصل إلي حد الانفجار أو الذي لا يسمح بإطفاء كامل النيران دفعة واحدة.
ولست أستبق الأحداث عندما أقول إنني أرتاب كثيرا في دوافع الزيارة الوشيكة التي سيقوم بها أوباما لدول الخليج دون أن تظهر بادرة واحدة تشير إلي تخليه عن موقف الانحياز لإيران دفاعا عن موقفه المعروف كعراب أساسي للاتفاق النووي بين دول الغرب وإيران.. وما لم يكن أوباما يحمل التزاما جديدا بسياسة جديدة تحد من رغبات الهيمنة الإيرانية فإن تجارة الأمن المستورد ستزداد انتعاشا ما لم نسارع ببناء منظومة أمن عربية تغنينا عن الأمن المستورد وتؤدي ــ ولو جزئيا ــ لخفوت أصوات العقارب والثعالب والذئاب الإقليميين.
خير الكلام:
<< وربما ضحك المكروب من عجب.. السّنُ تضحك والأحشاء تضطرم!