الوطن
مكرم محمد احمد
روشتة «أبوالغيط» لإصلاح الجامعة العربية!
لن أجهد القارئ طويلاً فى بيان حال الأمة العربية تدليلاً على مشقة وصعوبة المهمة التى يضطلع بها الأمين العام الجديد للجامعة العربية أحمد أبوالغيط، لأن بيان الحال يغنى عن السؤال!

وما من شك أن حال الأمة العربية التى تعانى التمزق وغياب الإرادة وقعود الهمة وقلة الحيلة وفقدان الطريق الصحيح ينعكس على الجامعة العربية (بيت العرب) رغم مرور 70 عاماً على إنشائها، كانت كفيلة بأن تصنع منها منظمة إقليمية قوية تحفظ حقوق العرب ومصالحهم العليا لدى الغير، وتصون أمنهم القومى والإقليمى، وتنظم جهودهم وتعاونهم فى شراكة قوية تمكنهم من مواجهة تحديات المستقبل، كما تنظم قدراتهم بما يكفى لاجتثاث الإرهاب وردع أى عدوان خارجى، لكن غياب تراكم الخبرات، وعدم الاستفادة من دروس الماضى، وضعف الإرادة السياسية الجماعية للعرب، أضعف قدرة الجامعة العربية، وضيع فرصها لتصحيح أخطاء المسيرة العربية، وجعلها أقل المنظمات الإقليمية قدرة وتأثيراً قياساً على منظمات أقليمية أخرى عديدة، أقربها إلى الذهن منظمة الوحدة الأفريقية التى نجحت فى خلق قوة أفريقية موحدة تحمى أمن أفريقيا، وباتت الأقدر على حل أى نزاع أفريقى، ونجحت فى أن ترفع فوق ربوع القارة السمراء هذا الشعار الملهم (كل مشكلة أفريقية ينبغى أن يكون لها حل أفريقى يسبق أى حلول أخرى).

وأظن أن نقطة البدء الصحيح فى خطط الأمين العام الجديد أحمد أبوالغيط تكمن فى إعادة ترتيب الجامعة العربية من الداخل، بما يؤهلها للنهوض بدورها وصولاً إلى وحدة الصف والهدف، وتحفظ الأمن والسلم العربيين من مخاطر التدخل الخارجى وتحديات الإرهاب، وتحول دون عدوان أى دولة عربية على دولة عربية أخرى، من خلال آليات عربية واضحة تقدر على التنبؤ بالمشكلات قبل وقوعها، وتنجح فى تصفية هذه المشاكل أولاً بأول، بحيث تجد الجامعة العربية حلاً عربياً لكل مشكلة عربية قبل اللجوء إلى أى منظمات دولية أخرى، خاصة أن ميثاق الجامعة العربية يتسع لكل هذه المهام.

ولا يعنى تنشيط أجهزة الجامعة العربية إعادة هيكلة مؤسساتها من جديد، لأننا إزاء منظمة إقليمية راسخة عمرها 70 عاماً، لكنه يعنى إعادة تنظيم الجامعة بما يحقق انضباط نظامها الإدارى والمحاسبى، ويضمن حسن إدارة وفاعلية 21 مكتباً لها فى الخارج لا يبدو أن لها أثراً يذكر، يكاد يتساوى إغلاقها مع استمرارها إلا أن تستعيد هذه المكاتب حيويتها، المطلوب باختصار إدارة عصرية رشيدة لمكونات الجامعة العربية، تجعلها أكثر إدراكاً لرسالتها ودورها كمؤسسة إقليمية لا تبحث فقط فى قضايا السياسة، ولكنها تعنى بتعزيز أدوات القوة العربية الشاملة، والارتقاء بقدراتها الثقافية والاقتصادية والتكنولوجية وحقوق مواطنيها، وربما لهذه الأسباب يرى الأمين العام الجديد أبوالغيط، أن الجامعة العربية رغم لجانها النوعية المتخصصة التى أفادت كثيراً العمل العربى المشترك لم تستطع أن تحقق الفائدة القصوى من القمة العربية الاقتصادية الدورية التى اقترحت الكويت عقدها لتعزيز البنية الأساسية المشتركة للعالم العربى.

وإذا كانت نقطة البدء الصحيح فى خطط الأمين العام الجديد إصلاح البيت العربى من الداخل، فإن جوهر رؤيته لاستنقاذ التضامن العربى من ركام الخلافات والتمزق العربى الراهن، يقوم على ضرورة وجود نواة صلبة تشكل عنصر جذب أساسياً يلم شمل الدول العربية من جديد، تفرض الضرورات الراهنة أن تكون بدايتها توافق مصر والسعودية على سياسات عربية وإقليمية تحفظ مصالح العرب، تشكل منظوراً واحداً لرؤية مشتركة لمجريات أحداث المنطقة، بما يضمن تكامل الدورين المصرى والسعودى ويقلل حجم المنافسة بينهما إلى الحد الأدنى، ويعزز استمرار التشاور بين البلدين دون وسطاء، ضماناً لشفافية العلاقات التى ينبغى أن تخلو من كل صور الحساسية، ويزيد من حيوية هذه العلاقات ورسوخها أن تكون دولة الإمارات جزءاً من هذه النواة الثلاثية التى تضبط إيقاع المشرق العربى، وتؤهله لتواصل حقيقى مع دول المغرب خاصة الجزائر والمغرب بما يشكل أساساً صلباً لتضامن عربى عريض، يستند إلى توافق إرادات 5 دول عربية، تشكل قاعدة التضامن العربى الذى يلم شمل الجميع.

وربما يكون من واجب هذه الدول الخمس تحصين توافقها من محاولات قوى إقليمية ودولية لا يسرها هذ التضامن، أبرزها طهران وأنقرة اللتان تحاولان مد نفوذهما فى الشرق الأوسط على حساب مصالح العرب وأمنهم القومى، بحيث تلتزم الدول الخمس بخطو واحد تجاه المصالحة مع أى من هذه الدول تعزيزاً لوحدة الموقف العربى وتجنباً لأى تصدع يصيب نواته الأساسية، وبعبارة أخرى أكثر وضوحاً يتحتم تنظيم العلاقات العربية مع كل من إيران وتركيا فى إطار حوار جماعى لا تنفرد به دولة عربية واحدة مهما تكن المسوغات!

وما يعزز ثقة الأمين العام الجديد فى إمكان نجاح نواته الخماسية التى تضم مصر والسعودية والإمارات والمغرب والجزائر وربما تونس أيضاً فى استعادة التضامن العربى بمعناه الواسع، وإعلان ميلاد جديد للجامعة العربية، أن الأزمة السورية تدخل بالفعل مرحلة التسوية السياسية السلمية، لأنها المرة الأولى التى يتوافق فيها الغرب والأمريكيون والروس على ضرورة إنهاء الحرب الأهلية السورية التى كانت أحد أسباب الخلاف المصرى السعودى، بما يهيئ أرضية مشتركة جديدة لتعاون مصرى سعودى إماراتى لا يداخله أى حساسيات، فضلاً عن حماس الجزائر لنجاح الأمين العام الجديد الذى كان أحد القلائل الذين رفضوا إصرار بعض الدوائر المصرية على تصعيد خلافات البلدين إبان الأزمة الكروية الشهيرة التى كادت تعصف بعلاقات مصر والجزائر.

وأياً كان تأثير الأزمة السورية على العلاقات العربية العربية، فإن إنهاء الحرب الأهلية السورية ينبغى أن يكون بداية لتضامن عربى جديد يسعى إلى لملمة جراح السوريين الذين فقدوا أكثر من 350 ألف شهيد وتشرد خارج ديارهم أكثر من نصف الشعب السورى وتهدمت مدنهم، ويبذل غاية جهده لإعادة إعمار الشام الذى يتطلب تريليون جنيه إسترلينى، ويعيد إلى السوريين مقعدهم الشاغر فى مجلس الجامعة العربية، وأظن أن الأمين العام أبوالغيط يملك خطة متكاملة لمعالجة آثار الحرب السورية تلزمه أن يزور معسكرات اللاجئين السوريين فى تركيا والأردن على أمل ترتيب عودتهم إلى بلادهم.

ولا يرى الأمين العام الجديد تعارضاً بين الدور الذى تلعبه دول مجلس التعاون الخليجى فى توثيق علاقاتها الداخلية وجهود دول المجلس داخل الجامعة العربية، حتى إن بدا للبعض أن مجلس التعاون أكثر ترابطاً والتزاماً بوحدة الصف والهدف ومراعاة لمصالح دوله الست، لكن الأمين العام الجديد يشدد على ضرورة وجود وشائج قوية تربط بين الجامعة العربية وتجمعات الأقاليم المختلفة، وبين هذه الوشائج الجديدة المقترحة، أن يحضر الأمين العام للجامعة العربية اجتماعات دول مجلس التعاون الخليجى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف