التحرير
ناصر عراق
الفيسبوك.. راية الحرية المطلقة
في ظني أن أحد الأسباب الرئيسية وراء التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس هو امتصاص السخط العام الذي فاحت رائحته في فضاء مصر المحروسة، حيث تجلى هذا السخط بكثافة في وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة الفيسبوك، الأمر الذي يمكن معه القول إن الفيسبوك بات وسيلة ناجحة من وسائل الضغط الشعبي على الحكام والمسؤولين.

الحق أن الفيسبوك يثبت كل لحظة أنه اختراع بالغ الأهمية، وأن الذين ينضمون تحت لوائه يزدادون كل يوم بكثافة مذهلة، فقد وصل عدد مستخدمي الفيسبوك في مصر إلى نحو 17 مليون إنسان، وفي العالم يتعامل مليار وربع المليار شخص مع الفيس شهريا (إحصائيات منشورة قي يناير 2014)، حتى كبار السن الذين يخشون الاقتراب من أية فكرة جديدة ويتهيبون اقتحام التكنولوجيا الحديثة... حتى هؤلاء اعتصموا بحبل الفيسبوك (في منتصف عام 2014 دشّن الكاتب الصحفي الكبير المرحوم الأستاذ محمد حسنين هيكل صفحة باسمه على الفيسبوك وعمره كان وقتها 91 عامًا)!
منذ أن اخترع الشاب الأمريكي العبقري مارك زوكربيرج (مولود في 1984) هذا الموقع الاجتماعي المذهل في عام 2006، والمفتونون به يتسابقون إلى وضع بصماتهم فيه كل لحظة إن أمكن، حيث صار أقرب إليهم من حبل الوريد، الأمر الذي يؤكد أنه يلبي حاجة اجتماعية ملحة عند البشر، لكن السؤال:

هل أقدم أحد في مصر على دراسة ما يتضمنه الفيس من أخبار وتعليقات وصور؟ وهل توصلنا إلى نتائج محددة تجعلنا نعرف أنفسنا أكثر؟


المدهش أن محتوى الفيسبوك يكشف أمورًا بالغة الأهمية، على رأسها جوع الإنسان إلى الحرية ورغبته العارمة في التعبير عن نفسه، فضلا عن أنه يبين لنا حجم نزعته الكبيرة نحو التواصل مع شقيقه الإنسان بغض النظر عن لونه وجنسه وعقيدته.


من عجائب الفيسبوك أنه مثل مرآة صادقة تضيء مزايا البشر من جهة وتكشف عيوبهم من جهة أخرى، فالتعليقات والصور المنشورة توضح مدى ثقافة صاحبها ورقته وعذوبته، أو تفضح ضحالته وبذاءاته وخشونته، كما أن الفيسبوك يغوص في الجهاز النفسي لصاحبه، ويقرر ما إذا كان من راغبي الشهرة أو من المهوَّسين بذواتهم، أم من أولئك الذين يجيدون ابتزاز مشاعر الآخرين، كمن يكتب على الفيس طالبًا الدعاء لوالده، لأنه مات قبل خمس دقائق، والحق أنا لا أعرف كيف لشاب مات أبوه قبل قليل يفكر في أن يهرع إلى الفيس ليعلن الخبر، بدلا من أن يترك هذا الأمر لصديق أو قريب يبلغ الناس بالوفاة!


باختصار.. الفيسبوك هو أنت بكامل بهائك وجمالك وثقافتك وأحلامك، أو هو الشخص بكل عيوبه وموبقاته وإحباطاته وتشاؤمه، الفيسبوك.. هو راية الحرية المطلقة التي يرفعها إنسان العصر الحديث.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف