الجمهورية
المستشار محمد محمد خليل
خواطر مصري .. المواجهــــــــــــــــــــــــــــــة
كثير من الكتاب والمثقفين يدقون الطبول. ويطلقون المزامير لحملة نابليون علي مصر في يوليو 1798. ينسبون إليه كل فضل. ويزفون إليه كل تقدم في مصر. وبعضهم يؤرخ عصر النهضة بدخول نابليون بجنوده ومدافعه ومجازره التي ارتكبها وقواده في حق الشعب المصري. في نهاية القرن الثامن عشر.. يكاد كثير ممن أطلقوا علي أنفسهم اسم النخبة. يقدس هذه الحملة. ويعتبرها المنقذ من الضلال للشعب المصري.. ولا يذكرون مقاومة تذكر سوي ثورة القاهرة الأولي. وثورة القاهرة الثانية.
الواقع أن هذه الحملة لاقت مقاومة ما بعدها مقاومة في كل أنحاء المعمورة في المنوفية بموقعه كفر عشما. وعائلة شعير. وفي طنوب وفي الغربية بالمحلة الكبري. وفي طنطا مع عائلة الخادم وفي المنصورة بمنية محلة دمنة ومعارك البحيرة ورشيد والإسكندرية والقاهرة وامبابة وبني سويف والمنيا حتي سوهاج وطول البلاد وعرضها.. هرب المماليك إلي الصعيد وتحاشوا مواجهة الفرنسيين. إلا أن الشعب بفلاحيه وشيوخه وعمده. وفقرائه وأغنيائه قاوموا الحملة الفرنسية مقاومة باسلة. سطرتها دماؤهم وأرواحهم وشهداؤهم.
حين نقرأ عن موقف الشعب المصري في مواجهة الحملة الفرنسية. نتأكد أن السنوات الثلاث التي أمضاها الفرنسيون في مصر كانت كلها معارك ضارية ومواجهات شرسة. البطل فيها هو الشعب المصري الأعزل إلا من وطنيته وحب الأرض. فقيراً إلا من الإيمان بمصريته وتعلقه بطين بلاده وضحي بعشرات الآلاف من الشهداء خلاف مئات الآلاف من الجرحي والأموال والأملاك التي لا حصر لها.. خرج الشعب في أنحاء المعمورة كلها من أقصاها إلي أقصاها بشماريخهم وعصيهم وفؤوسهم وبعض البنادق القديمة ليواجهوا أعتي الطواغيت في عصرهم أصحاب المدافع الحديثة في ذلك الزمان وبنادقهم المتطورة ليوجههوها إلي الشعب المسكين الذي عاني من الأتراك والمماليك أشد المعاناة. تخلوا عنه وقت الأزمات لا يعرفون لهم طريقاً إلا بفرض الضرائب والمكوث والالتزامات. هربوا وقت مواجهة الفرنسيين. في كل معركة يموت آلاف من المصريين في مواجهة المدافع والبنادق الحديثة. وهم بسلاحهم البسيط. يقتلون كل ما تصل إليه أيديهم من الجنود والقادة الفرنسيين. ليحققوا ملحمة بطولية في سبيل مصرنا الحبيبة.
جاء الفرنسيون ليمكثوا في مصر سنين عديدة معتقدين أنهم سوف يقطعون خطوط وصول الإنجليز أعدائهم التقليديين إلي بلاد الهند وما حولها.. إلا أن الشعب المصري أرغم هؤلاء الآلاف المؤلفة المدججين بالسلاح الفتاك الذين أتت بهم سفنهم عبر البحر المتوسط وبعلماء نذروا أنفسهم لتسجيل تلك الحملة والوقوف علي حضارة المصريين القدماء ــ أرغمهم علي العودة إلي بلادهم خائبين خاسرين مهزومين. بفعل مقاومة الشعب بجميع طوائفه وطبقاته للعدو المشترك الذي ارتكب أبشع الجرائم وأقسي أعمال التعذيب والتخريب لكل ما واجههم من أبناء هذا الشعب وحرق بلاداً وقري بكاملها لبث الرعب في نفوس المجاهدين الذين لم تفتر عزيمتهم. ولم تقتصر المقاومة علي ما أشيع في بعض كتب التاريخ من أن المقاومة تقلصت في ثورة القاهرة الأولي أو الثانية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف