الجمهورية
بسيونى الحلوانى
لوجه الله .. د.زقزوق.. ورحلة حياة عالم ومسئول فريد
منذ أيام تلقيت الجزء الثاني من مذكرات العالم الكبير د.محمود حمدي زقزوق عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر ووزير الأوقاف الأسبق والذي يحمل عنوان "رحلة حياة.. ذكريات وحقائق وتجارب حياتية" حيث تحدث العالم الكبير عن مشاهد من تجاربه الشخصية منذ أن كان باحثاً في مجمع البحوث الإسلامية حتي تقلد أكبر المناصب في مصر. وهي مشاهد تستحق التوقف عندها حيث تزدحم حياة الرجل بكل ما فيه العبرة والقدوة لمن يريد أن يسير في الطريق الصحيح والخروج من العمل العام في مصر وصفحته ناصعة البياض وضميره مستريح لما قدمه لدينه ووطنه.
بعد أن قرأت الجزء الثاني من رحلة حياة العالم الكبير استدعيت الجزء الأول من مكتبتي لكي أتعرف علي رحلة كفاح الرجل الذي استطاع التغلب علي كل المعوقات والخروج سالماً من أحقاد بعض الغيورين داخل دهاليز الأزهر ومجموع ما في الحزءين من كفاح واجتهادات علمية ومواقف إسلامية وحياتية يستحق أن يقرأ ففيه الكثير من العبر والدروس المستفادة.
بعيداً عما في رحلة كفاح عالمنا الكبير أسجل هنا أنني بحكم عملي الصحفي واهتمامي بالشأن الإسلامي تعاملت علي مدي أربعين عاماً مضت مع المئات من العلماء والمفكرين الإسلاميين من معظم دول العالم وتحاورت مع الكثير منهم واستفدت من بعضهم.. لكن قلة فقط هم الذين تأثرت بعلمهم وفكرهم ونزاهتهم في التعامل مع المال العام وحرصهم علي تحقيق العدل بين الناس.. و في مقدمة هؤلاء د.زقزوق الذي كان "نموذجاً" للعالم الأزهري الحريص علي نشر العلم الوسطي بين الناس.. و"نموذجاً" للمسئول يدرك حرمة المال العام ويعرف كيف يؤدي أمانة العمل العام دون أن يجامل أو يتهاون فيما أوكل إليه من مسئوليات.
لقد تواكب علي مسئولية وزارة الأوقاف العديد من العلماء الأفاضل الذين حاولوا تصحيح الصورة المشوهة للوزارة التي شاعت عنها كل صور المحسوبية والمجاملة وأيضا الرشوة ولم يسلم مسئول فيها من النقد والاتهام حتي الوزراء أنفسهم.. لكن استطاع د.زقزوق أن يعيش داخل عش الدبابير لسنوات طويلة وأن يصحح ما يستطيع من صور الفساد وأن يخرج دون أن يتهمه أحد بالتستر علي فساد أو احتضان فاسدين كما شاع عن آخرين ممن تولوا مسئولية الوزارة.
كانت علاقة د.زقزوق بالعمل العام علاقة مثالية. حيث خلي قاموسه من المجاملة لأي مسئول ولو كان زميلاً له في الوزارة وكان يستقبل أعضاء مجلس الشعب بابتسامته المعهودة. ويستمع إليهم بكل تركيز ويتحدث معهم بود وتواضع ويعدهم ببحث مطالب أبناء دوائرهم ثم يتركونه دون أن يأخذ أحد منهم شيئاً بعيداً عن الحق والعدل.
حرص الدكتور زقزوق علي المال العام كان يدفع البعض إلي وصفه بالبخل وهي صفة لم تزعجه. خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمال عام تجرأ الكبير والصغير عليه في مصر دون شعور بحرمة أو خوف من عقوبة أو فضيحة فقد كانت أموال الأوقاف مطمعاً لكثير من الناس. بل مطمعاً لجهات حكومية عديدة نهبت منها في السابق الكثير تحت مسميات مختلفة حتي تولي د.زقزوق مسئولية الأوقاف. فأغلق كل المنافذ بالضبة والمفتاح.. فلا مجاملة لصديق أو قريب. ولا استجابة لصاحب نفوذ حتي ولو كان رئيس الحكومة.. فأموال الأوقاف "أمانة" في عنق الوزير حتي يترك كرسي الوزارة و يتنحي مختاراً أو مرغماً عن نظارة الوقف.
في سبيل الحفاظ علي هذه الأمامة تعرض الرجل لهجمات كثيرة من كل الاتجاهات.. هاجمه أعضاء مجلس الشعب لأنهم فشلوا في الحصول علي ما يريدون ولم يستجب الوزير لطلباتهم ولم يخش علي منصبه من هجماتهم وتهديداتهم.. وهاجمه كتاب وصحفيون كبار لأنه لم يحقق لهم مطالبهم ولم يستجب لأطماعهم. ولم يخش أيضا علي كرسي الوزير من محاولات التشويش التي يقومون بها.. وغضب منه وزراء ومسئولون كبار لأنه تمسك بالحفاظ علي أموال الأوقاف حتي آخر لحظة له داخل الوزارة ورفض الاستجابة لطلباتهم بالحصول علي أموال أو أراض أو عقارات دون وجه حق.. لذلك فرض الرجل علي الجميع احترامه وتقديره حتي الذين اختلفوا معه وفشلوا في الاستفادة منه.
تحية للعالم الفاضل الذي جسد في علمه الصورة المشرفة لعلماء الأزهر وجسد في رحلة عمله العام في وزارة الأوقاف "حرمة المال العام" ونجح إلي حد كبير في تطهير الوزارة من العديد من العناصر الفاسدة والمشبوهة.
ما أحوج الأزهر اليوم إلي جيل جديد من العلماء الذين يسيرون علي نهج العالم الكبير.. وما أحوج العمل العام في مصر إلي مسئولين يدركون حرمة المال العام ولا يفرطون في الأمانة كما فعل د.زقزوق.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف