التحرير
عمرو حسنى
الخروج من التاريخ
الزعم بأن جرائم حكومات الغرب بحق المسلمين تبرر سقوط مواطنيه المسالمين ضحايا لعمليات إرهابية، ليست أكثر من مجرد نظرية مظلومية واهية يستخدمها البعض لتبرئة النفس، عربيًّا وإسلاميًّا، والتنصل بها من جرائم التيارات الإرهابية المتكررة بحق المواطنين المسالمين فى العواصم الغربية، وهى نظرية تحاول ببساطة مريبة أن تضع تلك الجرائم الإرهابية التى ترفضها الإنسانية فى إطار رد الفعل المبرر، وليس كأفعال همجية يجب إدانتها على الفور دون تردد، والتوقف تمامًا عن محاولة إدانة ضحاياها ولو بطريقة غير مباشرة.

هذه النظرية من المستحيل أن تصمد أمام مناقشة عقلانية هادئة تضع الحقائق فى نصابها وتحكمها قواعد إنسانية تطبق على الجميع. أولاً: لأن فكرة أن الغرب هو الراعى الرسمى للإرهاب الذى يكتوى بالنار التى أشعلها، وأن سياساته هى السبب فى مقتل المواطن الغربى المسالم بدعوى أن بلاده تآمرت لدعم الإرهابيين يجب أن تجعلك توافق بالمثل، لكى تتسق مواقفك مع قناعاتك، على فكرة مشروعية قتل المواطن العربى المسالم المنتمى إلى دول عربية مولت تلك التيارات الإرهابية، وقدمت الدعم المادى للدواعش لإزاحة أنظمة حكم لا تروق لها فى بلدان عربية أخرى. على الأقل لأن المنطق يقول إن العربى المشارك بالتدبير وبالمال فى جريمة هدم بلدان عربية شقيقة، بيد عربى آخر مثله، جريمته أكبر من الغريب الذى تورط معه فى ذلك الأمر وباع له السلاح. فهل توافق على هذا المنطق؟ هذه واحدة. ثانيًا: إدانة الغرب انطلاقًا من موافقته على وجود العناصر الإسلامية الأصولية على أراضيه فكرة مغلوطة، لأنها تدين المجتمع الذى يتسامح مع المختلف فكريًّا، غير المتورط فى الجريمة، وتلومه لأنه يمنح الفرصة للغرباء للانتماء إليه وبدء حياة جديدة فى ظل منظومة قانونية وأخلاقية تحترم اختلافهم معه. أنت إذن تدين المجتمعات الغربية لانفتاحها، ولا تدين من يلجؤون لها وهم يحملون فى رؤوسهم خزعبلات نبتت على أرضنا، وارتوت بثقافتنا، ورسخت فى عقولهم أوهامًا تؤكد لهم أن بلاد الآخرين تمثل فسطاط الكفر الذى يجب تحريره وأسلمته بالسلاح! هذه الفكرة تمنح أبناء المجتمعات الغربية للأسف مبررًا ينزع التسامح من قلوبهم وينمى نزعاتهم العنصرية تجاه الغرباء، وأولهم بالطبع مواطنو تلك المجتمعات ذوو الأصول العربية ممن يدينون بالإسلام.

نعم، الغرب تورط فى تسليح تلك التنظيمات الإرهابية، ولكن بلدانًا عربية إسلامية دبرت تلك المؤامرات ولولا تمويلها لما أتيحت الفرصة للغرب للمشاركة فى تنفيذها. كيف تلوم بائع السلاح أكثر من لومك لمن ابتاعه بماله ومنحه للقاتل لكى يخلصه من خصم مشترك بينهما؟ ما موقف أصحاب نظرية المظلومية عندما تقع تفجيرات تقتل المدنيين فى تلك البلدان العربية المتورطة لا قدر الله؟ هل سيهزون أكتافهم قائلين إن القتلى هناك يستحقون ما جرى لهم جزاء تمويل أنظمتهم الحاكمة للإرهابيين؟

الإرهاب صناعة محلية برعنا للأسف فى إنتاجه وتصدير الفائض منه لغيرنا. نبتت بذوره فى أرضنا بسياساتنا غير العادلة، وبأنظمتنا الديكتاتورية التى لا تحترم الإنسان ولا تصنع تنمية ترتقى به فى جميع المجالات، ولا تفلح إلا فى إعادة استنساخ أفكارنا الظلامية واستدعائها من قيعان التاريخ لتقتل المسلمين والمسيحيين العرب على حد سواء، وتمتد لتقتل المسالمين فى بلاد الآخرين.

الترويج لنظرية المظلومية يلقى باللوم على الضحية ويفتح الباب على مصراعيه للجميع بلا استثناء، وأولهم إسرائيل، لإحياء دعاوى مظلومياتهم الخاصة لتبرير جرائمهم. كما أنه لن يعفينا من المسؤولية بقدر ما يمكنه أن يخرجنا من التاريخ.

هذه حقيقة وليست كلمة تقال على سبيل المزاح أو المبالغة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف