المساء
السيد العزاوى
الكلم الطيب -التنافس في الخيرات نماذج وقدرة
المسلمون الأوائل ضربوا أروع الأمثلة في الإيثار والتنافس في الخيرات حتي صار الإيثار والتضحية من أهم سماتهم.. فها هم المهاجرون قد تركوا الأهل والأوطان ابتغاء مرضاة الله سبحانه وفي نفس الاتجاه كان لخوانهم الأنصار ويكفي أن الحق سبحانه وتعالي قد ذكره في آيات القرآن الكريم "للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون. والذين تبوءوا الدار والايمان من قبلهم يحبون من هاجر اليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون" 8 و9 سورة الحشر.
تأملت هذه المواقف من هؤلاء الرجال المخلصين. حينما كنت أقرأ الخبر الذي أشار إليه الكاتب والشاعر الكبير فاروق جويدة ويتضمن "أن 40 مليونيرا من أثرياء أمريكا قد تقدموا إلي عمدة نيويورك يطالبون بزيادة الضرائب عليهم حتي تتمكن الحكومة من توفير حياة كريمة للفقراء في الصحة والتعليم والسكن واقترحوا أن تكون الزيادة بنسبة 1% هذا بخلاف الضرائب التي يسددونها كل عام.. هذه المبادرة من هؤلاء الرجال أعادت إلي الذاكرة مواقف أبناء الأمة الإسلامية الذين سبقوا هؤلاء الأمريكان بأكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان. وقدموا أفضل ما لديهم من أموال وحدائق مثمرة عن طيب خاطر. فها هو أحد أصحاب رسول الله سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم قد جاء إلي الرسول الكريم وأخبره بتبرعه بالحديقة المثمرة لوجه الله وأعلن انه قد منع أولاده بعد اعلان هذه المبادرة من أخذ أي ثمرة من اشجار هذه الحديقة وقد نال هذا التصرف تقدير سيد الخلق صلي الله عليه وسلم.
مواقف وتضحيات وتنافس في عمل الخيرات بعيدا عن أية مظاهر دنيوية أو شهوة في الاعلان عن أنفسهم إنما كان الهدف الأسمي لديهم العمل بعيدا عن الزهو والافتخار ولو أخذنا نستعرض هذه المبادرات وتلك الأعمال لضاقت الصفحات عن استيعابها ويكفي هؤلاء شرفا أن الحق تبارك وتعالي قد أشاد بهذه المواقف "ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة" والتساؤل الذي يفرض نفسه أين نحن من هذه التضحيات وذلك الإيثار لقد تناسي الكثيرون تلك الأعمال وصار كل واحد يتطلع إلي تنمية ثروته بأي صورة وبأي شكل بل أن البعض قد يتهرب من الضرائب في سبيل جمع أكبر قدر من المال والثروة ولا يهمهم معاناة الآخرين الذين يعيشون تحت خط الفقر وينظرون إليهم بتعال وكبرياء.. وصدق الله العظيم إذ أشار إلي هؤلاء في سورة التوبة "الذين يلمزون المتطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم" ولا شك اننا هذه الأيام نري بعض هذه النماذج يتركون الفقراء يزدادون فقرا ولا يهمهم إلا أنفسهم. الأمريكان يقبلون علي هذه الأعمال باختيارهم بينما أهل الديار من المسلمين يتهربون من تلك الأعمال والمبادرة شغلتهم الأموال ومتاع الحياة الدنيا ولا يدركون أن الله سوف يحاسبهم عن هذه الأموال من أين اكتسوبها وأين أنفقوها. ولا يدركون أن كل شيء مسجل عليهم وسوف يناديهم الحق "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا".
حقيقة لقد كان الأوائل نماذج وقدوة في الاقبال علي فعل الخيرات والتسابق والتنافس وكتب السيرة والتراجم مليئة بمواقف هؤلاء الرجال الذين انتصروا علي شهواتهم وأنفسهم وكان هدفهم الاسمي إعلاء القيم والمبادئ وانفاق المال في وجوه الخير والحفاظ علي حقوق هؤلاء الفقراء وحماية المال العام ولعله لا يغيب عن خاطرنا ذلك الموقف المشرف من أمير المؤمنين أبوحفص عمر رضي الله عنه ويتلخص في أن زوجته اشتهت نفسها الحلوي وطلبت من عمر شراءها فأبدي اعتذاره لعدم القدرة المالية فقالت امرأته: لقد ادخرت من مستحقاتي ما يكفي لشراء الحلوي. هنا كان الموقف الرائع من عمر فقد رفض هذا الأسلوب وقال: طالما كان في مقدورك توفير هذا الجزء من حقوقك فبالتالي لابد أن يخصم من مستحقاتك وبيت مال المسلمين أولي بهذا الجزء الذي تم ادخاره.
الأسمي من ذلك أن هؤلاء الفقراء قد جاءوا إلي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم للمشاركة معهم في الجهاد في سبيل الله وحينما أخبرهم بأن الامكانيات لا تسمح انتابهم البكاء وسجل القرآن الكريم ذلك الموقف بأحرف من نور "ليس علي الضعفاء ولا علي المرضي ولا علي الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ما علي المحسنين من سبيل والله غفور رحيم. ولا علي الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا الا يجدوا ما ينفقون" 91 و92 التوبة ومما يسترعي الانتباه اننا نري البعض يسخر من تلك الدعوة التي انطلقت للتبرع لمصر ولو بجنيه "عبارات انطلقت تحبط من هذه الجهود. فأين نحن من المسلمين الأوائل ومابالنا ومواقف الأمريكان. حقيقة انها المفارقة التي تدعونا للتخلي عن هذه السلبيات ولله الأمر من قبل ومن بعد.!!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف