المساء
مؤمن الهباء
شهادة- البرادعي.. نموذجا
انتصر العقل المصري في قضية حذف اسم وصورة الدكتور محمد البرادعي من قائمة المصريين الحائزين علي جائزة نوبل في كتاب الصف الخامس الابتدائي.. رفض الرأي العام هذا التدليس الشائن.. واتهم من قام به بالكذب والتخلف.. وأصر علي أن يتم تصويبه بذكر الحقيقة كما هي.. وأخيرا ذكر المتحدث باسم وزارة التربية والتعليم أن لجنة تطوير المناهج هي المسئولة عن الواقعة وتم إحالتها إلي التحقيق.
تخيلوا.. لجنة تطوير المناهج هي التي فعلت هذا الفعل الفاضح الذي يعكس عقلية جامدة متخلفة منافقة.. تهدف إلي تربية الأجيال الجديدة علي "الفهلوة" و"المحلسة" والكذب.. وإذا كان الأمر كذلك فيما عرف وانكشف فماذا فعلت لجنة تطوير المناهج ياتري فيما لم نعرف ولم نكتشف؟
لقد قيل في تبرير هذا الفعل الفاضح إن وزارة التربية والتعليم تلقت اتصالات من بعض أولياء الأمور يشكون فيها من الحيرة التي يعانيها أبناؤهم بين ما هو مكتوب في المنهج الدراسي بشأن البرادعي وبين حملات الاعلام التي تشيطن الرجل وتتهمه بالخيانة بعد أن تحول إلي المعارضة.. وقيل أيضا في مجال التبرير إن بعض أولياء الأمور هم الذين طالبوا بحذف صورة البرادعي وكل ما يتعلق به .. لأن الموضوع كبير علي عقل الطالب في المرحلة الخامسة.
وبدلا من أن تصر الوزارة - أو لجنة تطوير المناهج - علي التزام الصدق.. وتقدم القدوة في ذلك لأبنائها.. هرولت بسرعة إلي شاطئ الكذب إيثارا للسلامة وطلبا للرضا.. ثم ألقت بالمسئولية علي أولياء الأمور.. وكأن أولياء الأمور هم الذين يضعون المناهج.
أقول إن العقل المصري العام حسم القضية وانتصر للحق والحقيقة في مواجهة الكذب والرياء.. وأيضا في مواجهة دعوات التشويه والتشويش والاقصاء التي يرفع رايتها فريق من الجهلة المتعصبين الذين يريدون أن يقنعوا الناس بأنه لا تسامح ولا اعتراف بأي اختلاف في وجهات النظر.. ولا مفر من الاصطفاف في دائرة الصوت الواحد والرأي الواحد... ومن يتجرأ ويعارض سياسيا.. ويعلن رأياً مختلفا أو مخالفا فهو - لابد - خائن وعميل وطابور خامس أو خلية نائمة.. ليس له أي حق وأي حصانة.. ويجب أن يمحي ذكره من الوجود.. حتي تظل الوطنية محجوزة حصريا لمن يؤيدون ويطبلون ويزمرون.
وانتصار العقل المصري العام في هذه القضية ليس معناه الانحياز إلي البرادعي تحديدا أو إلي المعارضة والمعارضين.. وإنما معناه الانحياز إلي الحقيقة.. الحقيقة المظلومة دائما عندنا.. والمقهورة دائما عندنا .. وما كان البرادعي وقصته إلا نموذجا فاقعا في زماننا.. وهناك بالطبع نماذج أخري فاقعة شهدها تاريخنا الطويل.. ونتمني ألا نري نماذج أخري في المستقبل.. وأن نستوعب الدرس.
ما فعله جدنا الأكبر رمسيس قديما لا ينسي.. فقد اشتهر بشهوة تغيير الحقائق لينسب الانتصارات المسجلة علي جدران وأعمدة المعابد لنفسه.. وما شهدناه حديثا أيضا لا ينسي.. فقد اجتهد عبد الناصر في محو اسم محمد نجيب كقائد لثورة يوليو 1952 وكأول رئيس للجمهورية.. واجتهد السادات في محو انتصارات وبطولات حرب الاستنزاف.. ونسب لنفسه فضل تأسيس تنظيم الضباط الأحرار بدلا من عبد الناصر.. ثم اجتهد مبارك في أن يختصر نصر اكتوبر العظيم في الضربة الجوية.. ويجعل من نفسه البطل الأول علي حساب السادات.. ورفع صورة سعد الشاذلي رئيس الأركان من الصورة التذكارية لقادة الحرب ليضع نفسه مكانه في أشهر عملية تزوير مكشوفة.. وبعد 25 يناير اجتهد فريق من الثورجية في التعتيم علي دور مبارك البطولي في نصر اكتوبر واستعادة طابا بدعوي أنه كان فاسدا ومزورا للانتخابات.. ولم يدرك هؤلاء أن أخطاء الرؤساء شيء وحقائق التاريخ شيء آخر لا يمكن ولا يصح تغييرها.
يقول تعالي: "ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي".
اللهم اشفنا من مرض نكران الحق والحقيقة.. وأعنا علي قول الصدق والتزام العدل مع من نكره ومن نحب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف