الأهرام
محمد أمين المصرى
متى تعود دمشق ؟
عندما كتب د. محمود شاهين بابه الأسبوعى بعنوان «دمشق فى عيونهم» بصحيفة تشرين السورية لينقد اللوحات التى رسمها الفنانون عن دمشق ليبدعوا بألوانهم وريشتهم ليصوروها كقطعة من الجنة، لم يكن يدرى أن دمشقه التى طالما تغنى بماضيها وحاضرها ــ آنذاك ــ بقصورها وبيوتها القديمة والحديثة، بحضارتها وأصالتها وجمالها وعراقتها، ستكون محط أنظار العالم، ليس ليقطعها زائرها طولا وعرضا، بين بواديها وجبالها، وبين سواحلها وسهولها، بين مدنها الحديثة والأثرية، وماأعرقها!!.. وإنما ليبحث عن مخرج لأزمتها المزمنة مع الحرب والتشريد والقتل والعذاب.

لم تعد دمشق كما صورها شاهين فى كتاباته الجميلة تلك عن عاصمة الدولة الأموية، بسحرها ونكهتها وتفردها، فهى المدينة التى ترفل بجمال راق، وسحر مطرز بالغموض، وألفة عامرة بالمحبة، وأصالة تختصر تاريخ الإنسان، بمراحله وأحقابه كلها. ‏ وبمناسبة الحديث عن دمشق الجريحة وبما أننا مازلنا فى شهر مارس وقبل أن يسدل أستاره، نقتبس بعض أبيات «القصيدة الدمشقية» للشاعر الراحل نزار قبانى فى ذكرى مولده فى الحادى والعشرين من هذا الشهر.. يقول نزار:

هذى دمشقُ وهذى الكأسُ والرّاحُ/ إنّى أحبُّ وبعـضُ الحـبِّ ذبّاحُ

أنا الدمشقيُّ لو شرّحتمُ جسدى/ لسـالَ منهُ عناقيـدٌ وتفـّاحُ

و لو فتحـتُم شرايينى بمديتكـم/ سمعتمُ فى دمى أصواتَ من راحوا

زراعةُ القلبِ تشفى بعضَ من عشقوا/ وما لقلـبى –إذا أحببـتُ- جـرّاحُ

مآذنُ الشّـامِ تبكـى إذ تعانقـني/ و للمـآذنِ كالأشجارِ أرواحُ

للياسمـينِ حقـولٌ فى منازلنـا/ وقطّةُ البيتِ تغفو حيثُ ترتـاحُ

طاحونةُ البنِّ جزءٌ من طفولتنـا/ فكيفَ أنسي؟ وعطرُ الهيلِ فوّاحُ

لم تعد دمشق مثل ماضيها يشد إليها الفنانون الرحال كما وصفهم الناقد محمود شاهين فى كتاباته، حاملين فرشاهم وألوانهم وأوراقهم وعشقهم، بغية التعبد فى رحاب جمالياتها المعجونة بالتاريخ، وليكحلوا عيونهم بكنوزها الحضارية، وطبيعتها المتنوعة. ومن ثم القيام بتسجيل محبتهم لها، بخطوطهم وألوانهم. ليرسموا لنا والتاريخ مشهدا من دمشق الساحرة، يتعانق فيه القديم والحديث بعاصمة الجمال، والجامع والكنيسة، والمحبة والاعجاب، والضوء والظلال والواقع والخيال، والتاريخ والحاضر، والعقل والاحساس. ومن هذا العناق،تتشكل صورة دمشق الخالدة التى تختزل عظمة الشام وسحره..ياليت دمشق تعود كما كانت دمشق الساحرة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف