مايكل عادل
أخلاقيات المرتشين والفَسَدة
لا توجد دولة بلا أزمة ولا شعب بلا حاجة إلى الإصلاح المُجتمعي. هناك دائماً مشكلة تحتاج إلى السعي والجهد لإيجاد الحل. في أي مكان على وجه الأرض توجد تحديّات وأزمات متلاحقة سواء على المستوى الحكومي أو الشعبي أو في صفوف المعارضة.
ليس هناك سبباً واحداً يجبر أحد أن يخرج على الناس لينكر وجود أي أزمة في أي مجال من مجالات الحياة المختلفة، ربما ليس هناك أي سبب شَريف أو غرض نقيّ من إنكار وجود أزمة حقيقية سواء في الإدارة التقليدية أو إدارة الأزمات أو حتّى في طريقة معارضة تلك الإدارة، ونحن –في مصر- لسنا ببعيدين عن ذلك الكَوكَب الذي اصطف بين أقرانه في المجموعة الشمسيّة، فليس هناك أي عيب في أن تكون مصر هي الأخرى على غرار سائر الدول التي خلقها المَولى، لديها مشاكل إدارية وسياسية ومجتمعيّة.
في الحقيقة، تلك المقدمة التي لم تخرج عن أبجديّات المنطق والأُمورالبديهيّة أصبحت ضروريّة لبداية أي حديث عن ما تمر به مصر الآن في أغلب المجالات. أصبحنا الآن في وضع اضطراري لسرد تلك البديهيّات قبل أن نتكلّم عن أي أزمة يمر بها الوطن، الوطن الذي حرصوا على تحويله إلى شعارات تجاريّة وانفعالات هيستيريّة بعبارات ثابتّة يتم الزجّ بها في أي سياق لإخراس الصوت القائل بلُطفٍ شَديد: “هناك مُشكلة”.
ولعل أبرز تلك المشاكل الآن هي أزمة العُملة الصعبة التي انعكست على سعر صرف الجنيه في مواجهة العملات الأجنبيّة وعلى رأسها الدولار، وفي هذا الشأن مثلاً أصبح الهيستيريّون هُنا وهناك في انتظار انخفاض سعر الدولار بمقدار ملّيم أو قرش أو نكلة كي يصيحوا في وجه كل من ناقش تلك الأزمة قائلين له: “أرأيت؟ لا توجد مشكلة، أنتم المشكلة”، نعم هم يرون أن المشكلة دائماً هي أن هناك من يشيرون إلى وجود مشكلة، أزمتهم ليست في الأزمة بل في من يقولون أن هناك أزمة. لم يتحدث أحد في أن بلادنا في حاجة إلى مصادر للعملة الصعبة أكثر من حاجتها إلى ضبط سوق الصرف إلى آخر الإجراءات المصرفيّة المتعددة لاحتواء الأزمة (شكلياً).
لم يتحدث أحد بأن الحكومة وبكُل وضوح تقوم بكُل ما هو مُنفر وطارد للسياحة، السياحة التي تمثّل المصدر الرئيسي والأكبر للعُملة الصعبة، لا يريدوننا أن نتحدّث في أن الحكومة تقوم بكُل ما هو ضد وجود صناعات وطنيّة ضخمة ومتعددة وجاهزة للتصدير في مقابل العملات الأجنبيّة، لا يريدون أن يلتفتوا إلى أن المساحة الزراعية في تناقص مستمر وأن مصر التي علّمت العالم كلّه الزراعة أصبحت الآن تفقد مساحاتها الخضراء سواء بإجراءات حكومية مباشرة أو بتعامي وتهاون الدولة أمام التجريف والبناء والتصحّر، الأمر الذي يؤدي إلى نقص وغلاء السلع الزراعيّة بالإضافة إلى عدم توفّر القدر اللازم للتصدير وبالتالي فقدان آخر لمصدر من مصادر العملة الصعبة، فمن أين إذاً ستأتي العملة الصعبة ومن أين إذاً سيأتي الطلب على الجنيه المصري لتزداد قيمته الشرائية؟
المُعارضة ليست عيباً، ونحن على استعداد لأن نُقسم على ذلك، المعارضة السياسية هي المرآة التي تنعكس فيها مشاكل وأزمات الإدارة السياسية للبلاد! هذه هي وظيفتها التي خُلقت من أجلها، إن الأمر ليس مجرّد سرد للسلبيّات بغرض أي شيء، فالمعارضة التي لا تذكر السلبيّات هي معارضة خائنة لدورها في النهوض بالوطن.
إن البَطش وتوزيع الاتهامات على هذا وذاك وموجة الأخلاقيّات الزائفة الجاريّة الآن لن تفيد أحد، فالصَيحة الجديدة الرائجة مؤخراً في صفوف المُنافقين والفسدة هي المزايدة الأخلاقيّة العقيمة على كُل من يتحدّث في أي شأن، وحتى على من لا يتحدث، وكأن هناك من يصرف لهم “بدل مزايدة أخلاقيّة” كلّما خرج هذا المتحرّش أو ذاك البذيء أو تلك المرتشية أو هؤلاء المزوّرين للمزايدة على أخلاق أي شخص تسوّل له نفسه أن ينتقد إجراء أو يتحدث عن أزمة تمر بها مصر. تلك الصيحة الرخيصة لن تصب في مصلحة أحد سواء التافه الذي يقولها أو الفاشل الذي يخدم مصالحه، تلك الصيحة لن تتسبب إلا في المزيد من الغرق في وحل الأزمات والرجعيّة والتخلّف تشبهاً بآخرين ممن يستهدفون بلادنا وثورتها بالشر، ولكننا هنا لن نحصل سوى على رجعيّة وتخلّف بلا نفط.