أحمد حسنى
السجون المصرية.. من ينقذ آلاف المظلومين؟
“شبر.. اثنين.. وقبضة”.. هكذا كان “صابر” يقيس على الأرض المساحة المخصصة له داخل السجن لينام فيها، هذه المساحة لا تزيد في أغلب الأحوال على 50 سم، لتستوعب الزنزانة الصغيرة عشرات المسجونين المحشورين داخلها، في وضع إنساني متدهور، لا تغذية جيدة، ولا تهوية مناسبة، ولا أي شيء يدل على أن هؤلاء يتمتعون بأدنى حقوقهم في الحياة.
قابلت “صابر” وغيره من المسجونين الجنائيين، في شهر سبتمبر 2013، بمحافظة الشرقية، داخل مقر المنظمة الحقوقية التي أسستها الأستاذة نيرمين البحطيطي، لإعادة تأهيل المسجونين، ليتمكنوا من التخلص من وصمة العار المجتمعية، التي تلاحقهم بعد الخروج من السجن الصغير إلى السجن الكبير، وتذكرت ذلك قبل أيام مع ما أثير عن توصية الأمم المتحدة بتشكيل لجنة دولية لتقصي أوضاع السجون المصرية، وهو ما تم نفيه بعد ساعات.
في ذلك الوقت كانت الأوضاع داخل السجون بدأت في التدهور أكثر فأكثر، بزج آلاف الإسلاميين والمؤيدين للرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي داخلها، وصارت الزنازين تمتلأ بالسجناء السياسيين بشكل دفع وزارة الداخلية إلى استخدام معسكرات الأمن المركزي وغيرها من المقار الأمنية سجونا وأماكن احتجاز، لتستوعب الأعداد الكبيرة التي تقبض عليها قوات الأمن كل يوم حقا وظلما.
قبل 30 يونيو كانت فلسفة العقاب تتمحور حول فكرة تقييد حرية المتهم بوضعه في السجن، ولم يخل ذلك من إهمال حقوق المسجونين في توفير ما يحافظ على سلامتهم الجسدية وحياتهم، كما ينص القانون، ليس في مصر فقط بل العالم كله، والذي يكتفي بتقييد حرية مرتكب الجريمة كعقاب، وخلف ذلك الإهمال إصابة كثير من المسجونين بأمراض معدية ومزمنة، بالإضافة إلى تعرضهم للاعتداء البدني والقتل، الذي كان يحدث من قبل مسجونين آخرين في أغلب الأحوال، ومسئولي السجن في بعضها.
وكان المعروف عن السجون أنها لا تشهد تعذيبا، على حد تأكيدات عدد من الحقوقيين، وهذا ليس على سبيل النفي الكامل، إنما نفي تحول التعذيب إلى ظاهرة داخل أي سجن، حتى المعروفة منها بأنها شديدة الحراسة.
ولكن بعد 30 يونيو تغيرت فلسفة العقاب هذه على نحو خطير، إذ لم يكتف المسئولون عن وزارة الداخلية بتقييد حرية المسجونين أو حتى الإهمال وتجاهل حقوقهم المنصوص عليها في القانون، ووصل الأمر إلى تعمد الإيذاء النفسي والبدني، بالضرب والتعذيب، أضف إلى هذا منع دخول الأدوية والأطعمة والبطاطين والملابس والتضييق على الزيارات.
وصار “تعمد الإيذاء” سياسة تتبع ضد كل من تم القبض عليهم وفقا لقانون التظاهر، غير الدستوري وغير الإنساني، حتى وصل الأمر إلى توارد أخبار كثيرة عن أن محمود محمد، الطفل الذي قبض عليه لأنه كان يرتدي تي شيرت “وطن بلا تعذيب”، مصاب بمرض يستوجب جراحة عاجلة في قدمه، دون أن يطرف جفن للمسئولين عن احتجازه بالمخالفة لكل القوانين، والحمد لله أنه حصل على إخلاء سبيل منذ ساعات فقط.
طوال السنوات السابقة على ثورة يناير وبعدها بشهور، حاولت الهيئة الدولية للصليب الأحمر التوصل إلى اتفاق مع الحكومة المصرية لزيارة السجون ومساعدة الحكومة لتحسين الأوضاع داخلها، كما فعلت الهيئة مع دول كثيرة، لكن دون جدوى، وقد أكد لي أحد المسئولين بمكتب الهيئة في مصر أن الصليب الأحمر تقدم بـ3 طلبات للحكومة المصرية لتسمح لها بزيارة السجون، الطلب الأول كان في 2002 ورفض، والثاني فى 2011 ورفض أيضا، و الثالث بعد 30 يونيو مباشرة، ورفض.
ووفقا للقانون المصري لا يسمح لأحد بزيارة السجون، إلا رئيس النيابة العامة التابع لها السجن من حيث الاختصاص الجغرافي، فهو الذى يحق له زيارة السجن كل شهر بطريقة مفاجئة وإعداد تقرير عن نتائج الزيارة، لكن الحقوقيين المعنيين بالملف يؤكدون أن تقارير النيابة العامة إن كانت زياراتها تتم، فهي تركز فقط على وجود محتجزين بشكل غير قانوني من عدمه، ولا تلتفت إلى الظروف الحياتية للمسجونين داخل السجن.
وظني أن حتى هذه الإجراءات انتهت مع الأحداث التي تلت 30 يونيو، فالمحتجزون بشكل غير قانوني داخل السجون ومقار الاحتجاز بالأقسام تعدوا الآلاف، وفق تقدير عدد من المنظمات الحقوقية في ملف أعدته تحت عنوان “أذرع الظلم”، وسط غياب أي أرقام رسمية.
ويسمح القانون أيضاً للمجلس القومي لحقوق الإنسان بزيارة أي سجن، لكن اشترط تقديمه طلبا قبل الزيارة، أي أن زيارته لا تكون مفاجئة، وتعلم بها إدارة السجن مسبقاَ، وبالتالي يمكن التغطية علي أي تجاوزات، والواقع العملي يؤكد أن الحكومة لا تلتفت كثيرا إلي تقارير المجلس.
وبغض النظر عن صحة ما أثير بشأن توصية الأمم المتحدة بتشكيل لجنة دولية لتقصي أوضاع السجون المصرية من عدمه، فالوضع الإنساني بالسجون متدهور جدا، ويتطلب تحركات شعبية وربما دولية، لأن حكوماتنا لا تستجيب إلا للضغوط الدولية، لإعادة فلسفة العقاب إلي ما كانت عليه مسبقا في عهد حسني مبارك، لا نقول تحسينها بشكل كامل، فقط نسعى لتقليل الانتهاكات.