التحرير
محمد سليمان
حزب الله.. وهْمُ المقاومة
في صيف عام 2006، كنت بلغت من العمر خمسة عشر عامًا، اشتعلت حرب لبنان، وأدعى أنني كنت متابعًا جيدًا للحرب من خلال شاشات الجزيرة. تابعت تفاصيل إعلان حزب الله عن خطفه جنديين إسرائيليين على الشريط الحدودي اللبناني الإسرائيلي، وسميت عملية الخطف "الوعد الصادق". كانت رؤية حزب الله تقتصر على مقايضة الجنديين الإسرائيليين بالأسري اللبنانيين وعلى رأسهم "سمير القنطار" عميد الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية.

عندما بدأ الاجتياح الإسرائيلي للبنان، تخليت عن الجريدة الحكومية المصرية الأهم "الأهرام"، لصالح الجريدتين القوميتين الصاعدتين "الدستور"، و"صوت الأمة". كانت متابعتي للجريدتين في تغطيتهما الإخبارية والتحريرية للحرب اللبنانية الإسرائيلية، هي العامل الأهم في ترسيخ صورة "السيد" حسن نصر الله كزعيم قومي مقاوم ضد الاحتلال والأنظمة المتواطئة. نصر الله امتلك كاريزما وحسًّا خطابيًّا ولديه مظلومية عائلية بفقدان ابنه هادي في إحدى عمليات المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان في أواخر التسعينيات قبل الانسحاب الإسرائيلي.

كانت صورة حسن نصر الله شديدة الانتشار في أرجاء القاهرة، وكان لديَّ جار ستيني لديه صورتان على حائط محله الصغير، إحداهما لجمال عبد الناصر والثانية لحسن نصر الله. انتهت حرب لبنان بخطبة عصماء لحسن نصر الله يعلن فيها عن انتصار المقاومة "حزب الله" على العدوان الإسرائيلي. بانسحاب إسرائيل من لبنان، تدمرت البنية التحتية اللبنانية بشكل كامل، وتباطأ الاقتصاد اللبناني. مشهد يقترب من العدوان الثلاثي على مصر، نصر سياسي وخسارة عسكرية واقتصادية واضحة.

في عام 2008، عارض حزب الله الحكومة اللبنانية على وقوفها تجاه الخروقات الأمنية في مطار بيروت وتجسس حزب الله على المطار من خلال شبكة اتصالات وكاميرات مراقبة خاصة، وتواطأ جهاز أمن المطار لصالح حزب الله. كان دفاع حزب الله عن شبكة تجسسه في مطار بيروت يرتكز حول مدى محورية شبكة الاتصالات لسلاح المقاومة، وأن الحكومة اللبنانية تقف ضد المقاومة لمحاولاتها فرض السيادة على الأراضي اللبنانية. ثم فوجئت بتصاعد الأحداث باحتلال حزب الله بيروت وحرق تليفزيون المستقبل واعتدائه على مقرات تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري وباقي القوي السياسية الطائفية المؤيدة لرحيل احتلال حافظ الأسد للبنان.
كان حدثًا مفزعًا لعقلي وأنا أشكل بداية معرفتي بالشرق الأوسط والفاعلين فيه. كان محل تساؤلي كيف للمقاومة "حزب الله" أن تستخدم سلاحها ضد المعارضة اللبنانية ذات المطالب السياسية المشروعة وتلقى رواجًا واضحًا في أوساط اللبنانيين. كان من ضمن تساؤلاتي أيضًا، أن مشروعية سلاح حزب الله اللبناني هي توجيه السلاح تجاه الاحتلال الإسرائيلي، وأن تلك الحادثة تختصم من رصيد المقاومة اللبنانية عند الجميع.

انطباعي عن حزب الله في أزمة 2008 أن الحزب خضع لابتزاز الإيرانيين ونظام الأسد في سوريا، من أجل احتلال بيروت وإخضاع المعارضين للنفوذ الإيراني والأسدي في لبنان. اعتقدت أن حزب الله تم إغواؤه سياسيًّا ليؤمن أنه ليس مجرد مقاومة وإنما هو نفسه أعلى من الدولة اللبنانية بمكوناتها، هكذا كان رأيي في الحزب الذي طالما ادعى أنه هو الممثل الوحيد للمقاومة ضد الإسرائيليين.

منذ ذلك الحين وبدأت في الانشغال بالشأن المحلي المصري، وانقطعت متابعتي لأخبار حزب الله وأزمات لبنان المستمرة، حتى انتفضت الشعوب العربية في موجة الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن والبحرين. إلى جانب إيران، كانت سوريا أحد الداعمين الرئيسيين لحزب الله بالأموال والسلاح والخدمات اللوجيستية. عندما بدأ بشار الأسد حرب الإبادة الطائفية ضد الأغلبية السنية المنتفضة في ثورتها المدنية السلمية ضد طغيان الأسد وأتباعه، بدأت تخوفاتي عن احتمالية انغماس حزب الله في الحرب الطائفية وأن يتحول لمجرد آلة قتل مأجورة لصالح بشار الأسد والإيرانيين لوقف الثورة السورية.


في نهاية عام 2011، تحولت الشكوك إلى واقع واكتشفت دلائل على تورط حزب الله في قتل مدنيين سوريين عزل لصالح نظام بشار الأسد. قمة انحطاط سمعة حزب الله العسكرية جاءت في صيف عام 2013، بدخول قوات الحزب البرية لحصار وقصف مدينة القصير لصالح قوات بشار الأسد. قتلت قوات حزب الله وقوات بشار الأسد المئات من سكان بلدة القصير. كانت سخرية الأقدار أن مدينة القصير السنية الحدودية هي إحدى أكبر المدن السورية التي استقبلت الآلاف من أتباع حزب الله خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006.

امتدت جرائم حزب الله من القصير إلى القلمون، وتحولت الجرائم السرية إلى جرائم علنية بحصار حزب الله لقرية مضايا لأشهر، لتجويع سكانها وإجبارهم على الاستسلام، بدون مراعاة لأي اعتبارات إنسانية أو عربية. مجرد مطالعة لحسابات السوشيال ميديا الخاصة بإعلاميي حزب الله وهم يسخرون من صرخات الأطفال والمصابين من أهل مضايا، فقط من خلال متابعة هاشتاج ‘#متضامن_مع_مضايا.



انهيار رمزية حزب الله جاءت بخبر قتل سمير القنطار عميد الأسرى اللبنانيين المحررين، وأحد أهم أسباب حزب الله لخطف الجنود الإسرائيليين قبيل حرب تموز 2006. انتقل القنطار لسوريا ليحارب في صفوف قوات بشار الأسد وحزب الله الموجهة لقمع وقتل السوريين. قتل القنطار في إحدى ضواحي دمشق على يد الطيران الإسرائيلي. نفس الرجل الذي خرج بطلا من السجون الإسرائيلية، تقتله إسرائيل ولا أحد يبكي على قتله، ويتم لعنه على المذابح التي ارتكبها بقواته خلال الثورة السورية.


حسمت رأيي بأن حزب الله تنظيم طائفي إرهابي، ولا أخفي سعادتي باعتبار دول مجلس التعاون الخليجي حزب الله منظمة إرهابية وفرض عقوبات على قيادات وأعضاء التنظيم وميليشياته المسلحة. لكن صدمتي الرئيسية كانت في مواقف الناصريين المصريين بالإصرار على اعتبار حزب الله تنظيمًا مقاومًا على الرغم من المذابح التي ارتكبها في حق المواطنين السوريين واللبنانيين. الناصريون دائمو الإعلان عن معارضتهم للاستبداد الديني وعلى رأسه الإخوان المسلمون، ولكنهم أنفسهم لا يعترفون بالممارسات الدينية الاستبدادية لحزب الله في لبنان وسوريا.

إشكالية الناصريين، هي التغاضي عن مذابح كل الأنظمة والكيانات السياسية التي حاربت إسرائيل أو تدعي أنها تقاوم. ذلك التغاضي السياسي عن أفعال حزب الله وغيره، يفقد مفهوم مقاومة الاحتلال معناه برفع المظلمة عن الشعوب المحتلة، وأن حزب الله وغيره يمارس إرهابًا أوحش من إسرائيل نفسها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف