سليمان جودة
د. عبدالواحد النبوى.. من أنت وكيف تفكر؟!
أذكر أننى كتبت سطورًا فى هذا المكان، قبل أشهر من الآن، كان عنوانها: جابر عصفور.. الوزير الذى يخوض معركة كل مصرى!
وكان الدكتور عصفور وقتها، وزيرًا للثقافة، وكان مشتبكًا فى معركة فكرية مع بعض رجال الأزهر، من أجل أن تكون لأفكار التنوير، والعقل المفتوح، مساحة كافية فى أرجاء البلد، وفى حياتنا بالعموم.
وقد كنت مساندًا للدكتور جابر فى معركته، ليس عن موقف ضد الأزهر كمؤسسة بالطبع، وإنما لأننى كنت على يقين من شيئين أساسيين: أولهما أنه لا يوجد مصرى، بمن فى ذلك الدكتور عصفور نفسه، إلا ويحمل الاحترام الواجب للأزهر، وثانيهما: أن وزير الثقافة السابق، إذا كان قد تربى فى جامعته، على يد طه حسين، وعلى يد تلامذة طه حسين، ثم تربى خارج جامعته، على أفكارهم جميعًا، فلابد أن نثق فى أنه حين يخوض معركة كهذه، إنما يهدف من ورائها إلى أن تكون مصر أفضل، وأن يكون الأزهر أفضل.. بمثل ما أرادوا هم أيضًا لمصر، فى وقتهم!
وأذكر كذلك، أننى كنت أتحدث مع الوزير السابق، ذات يوم، وكان ذلك وقت وجوده فى الوزارة، ففهمت منه، أن علاقته بالإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، على أفضل ما يكون، وأنها قديمة وتعود إلى ما قبل مجيئه وزيرًا، وأنه يحمل له احترامًا كبيرًا، ويحمل لعقله تقديرًا أكبر.
وكان معنى هذا، أن معركة الدكتور عصفور، لم تكن مع الإمام الأكبر، ولا كانت حتى مع الأزهر كمؤسسة لها مكانتها المحفوظة بيننا، ولا كانت حول دورها التاريخى الممتد الذى يريده عصفور، ونريده معه، وإنما كانت مع رجال حول الإمام الأكبر، ثم مع أفكار فى الأزهر، لا يجوز لهم كرجال، ولا لها، كأفكار أن يكونوا موجودين، فى مواقعهم، ولا أن تكون موجودة، أقصد الأفكار، فى الأزهر، فى القرن الحادى والعشرين.
وأظن أن معركته كان فيها من الغيرة على مكانة الأزهر، أكثر مما فيها من الرغبة فى العراك معه، لأجل العراك وفقط، وأظن كذلك، أن أى منصف، بمن فى ذلك الإمام الأكبر نفسه، لا يرضيه حال الأزهر، فى أيامنا هذه، ويريد له أن يعود منارة للفكر، كما كان فى أيام كثيرة.
طافت مثل هذه الأفكار فى ذهنى، فى اللحظة التى علمت فيها أن الدكتور عصفور قد غادر الوزارة، وأن الدكتور عبدالواحد النبوى، قد حل فى مكانه، وزيرًا جديدًا للثقافة.
وفى اليوم التالى للتعديل الوزارى الذى جاء فيه الدكتور النبوى وزيرًا، قلت عنه، أى عن التعديل، إن الوزراء الثمانية الذين جاءوا من خلاله إلى حكومة المهندس إبراهيم محلب، ليسوا معروفين جميعًا للرأى العام فى مصر، على عكس وزراء آخرين فى مرات سابقة، كانوا نجومًا من قبل أن يدخلوا الوزارة.
وربما تكون هذه من المرات النادرة، التى يأتى فيها وزير ثقافة جديد، إلى الوزارة، فيتساءل المتابعون للشأن العام، عمن يكون هو، ومن أين جاء؟!
وهذا شىء فى حد ذاته، لا يعيب الدكتور النبوى، بقدر ما يلقى عليه عبئًا كبيرًا، فى اتجاه مسئوليته المباشرة، عن تعريف نفسه، وتقديم شخصيته لنا.
وما أقصده، بما سوف يكون عليه أن يقدمه لنا، هو أفكاره تحديدًا، لأننا نعرف أنه أستاذ فى جامعة الأزهر، وأنه عمل أستاذًا خارج مصر لسنوات، وكان ذلك فى جامعة قطر، وأنه كان مسئولًا من بين مسئولى وزارة الثقافة فى وقت من الأوقات، وأن له جهدًا مهمًا، وقت أن كان مسئولًا عن حماية وثائقنا الوطنية من الضياع.
كل هذا نعرفه عنه، ونعرفه له، ولكننا نريد أن نعرف الطريقة التى يفكر بها، ونريد أن نعرف طبيعة أفكاره، ثم نريد فى مرحلة لاحقة، بعد أن نعرفها، أن نراها حية فى الوزارة، وفى البلد.
لقد قيل عنه، مثلًا إنه أزهرى، وهذا بالطبع ليس عيبًا، ثم إنه حقيقة، وقد كان طه حسين، على سبيل المثال أزهريًا، ثم كان وزيرًا للمعارف نزهو به، وبأفكاره، ولانزال.
ليس عيبًا، إذن، أن يكون الدكتور النبوى، أزهريًا، بل إن هذا قد يكون ميزة له، ولكن العيب فى أن يكون سلفيًا، كما أشيع عنه، خلال أيام مضت!
وسوف تكون سلفيته، إذا صحت، عيبًا، لأن ما نقرأ عنه، كل يوم، من أفكار إخواننا السلفيين لا يريح، ويشير إلى أن بينهم وبين أيامنا التى نعيشها، فجوة كبرى، وأن ردم هذه الفجوة، هو مسئوليتهم هم، لا مسئولية أحد غيرهم.
إذا ما أرادوا أن يتسقوا مع الزمن الذى يعيشون فيه، فلا تكون أجسادهم بيننا، ثم تكون عقولهم فى أزمان مضت!
د. عبدالواحد.. من أنت.. وكيف تفكر؟!