عباس الطرابيلى
هموم مصرية- الموازنة.. والكارثة القادمة
وقفت طويلاً مع ما أعلنه أمس، المهندس شريف إسماعيل، رئيس وزراء مصر، من أن 80٪ من الموازنة العامة للدولة يتجه إلي الأجور والدعم والدين العام.. وفي رأيي ان هذه الحقيقة أخطر ما يواجهنا الآن.
وياليتنا ندفع هذه الأجور لنحصل في النهاية علي ناتج عملي وفعلي يقابل كل هذه الأجور.. ولن نكرر هنا مقولة «كم دقيقة يعملها المصري يومياً» فقد أصبحت هذه المقولة مثل الاسطوانة المشروخة.. ولِمَ لا ونحن نملك أكبر جهاز إداري في العالم- مقارنة بحجم السكان- وربما بسبب ذلك يعشق المصري تراب الميري.. لأن يحصل علي الأجر.. دون أن يقدم أي انتاج وللأسف، ليس أمامنا إلا أن نقبل- ولو مؤقتاً- هذه الكارثة.. إلي أن نغير العقل المصري، الذي يتعلم- ليس من أجل العلم نفسه- ولكن من أجل هذه الوظيفة الميري.
<< وكارثة الدين العام، وهو نوعان: داخلي يمتص النسبة الأكبر من مدخرات الناس وأيضاً يستولي علي أموال اليتامي والأرامل والعواجيز أي فيما يملكون من أموال المعاشات.. ودين خارجي لا يتحمله اقتصاد مرهق مثل اقتصادنا، ويكفي اننا- في الدين الداخلي- نقوم بدور شركات توظيف الأموال أي «تلبيس هذا.. طاقية ذاك».. فنحصل علي الكثير من هذه المعاشات ونقدم فوائدها مما تحصل عليه الدولة من أموال جديدة.. من المعاشات الجديدة.. حتي وإن زادت الدولة من فوائد علي هذه المعاشات.. وبالطبع لن يبحث المصري عن أصل الدين الداخلي وكم يبلغ الآن.. ولا يسأل عن الفوائد التي يجب أن تسددها الدولة علي ما سبق ان استولت عليه من أموال للمعاشات.. وكلاهما بعشرات المليارات!
<< وكذلك الموقف من الدين الخارجي، فإذا كنت ملزماً بسداد قيمة الفوائد عليها سنوياً.. فإن أصل الدين الخارجي يدمر اقتصاد حتي الدول المتوسطة مالياً.. فما بالنا بالدول الفقيرة.. ومصر في مقدمتها.
ولا نريد أن نعكر مزاج كل المصريين الآن، بالحديث عن حجم هذه الديون داخلية وخارجية.. إلا اننا ملزمون دورياً وسنوياً بسداد فوائدها مهما كان الثمن.. ولذلك تلجأ الدولة إلي أن تطلب ديوناً أخري، داخلية بالمزيد من الاقتراض، أو حتي طبع البنكنوت المصري دون أي رصيد يغطيها.. وخارجياً بطلب المزيد منها من الأشقاء.. والأصدقاء.. ومن المستثمرين، ويا ليتنا نستخدم القروض- القديمة والجديدة- في إقامة المزيد من المشروعات سريعة العائد.. كثيفة العمالة.. بل نستخدم أكثرهما لندفع منها الأجور أو فوائد القروض.. ونغطي كارثة الدعم.
<< أما الدعم- نقدياً أو عينياً فهو الآفة الكبري، حقيقة بات هذا الدعم مطلباً جماهيرياً.. بعد أن تعود المواطن عليه في كل شيء.. سواء في سعر الوقود، أو تكاليف توفير الكهرباء ومياه الشرب.. أو حتي معالجة الصرف الصحي.. أو المحافظة علي أسعار بعض السلع الحيوية مثل الخبز وزيت الطعام وكل السلع المضافة الآن علي بطاقات التموين.
والمشكلة ان المواطن- وقد تعود علي هذا الدعم الحكومي- لا ولن يتقبل أي مساس يقترب من أي سلعة من هذه السلع.. وإذا كان البعض يري ان المواطن يجب أن يدفع الثمن الحقيقي لهذه السلع إلا أن المواطن- وقد تعود علي الدعم لعشرات من السنين- يرفض التنازل عن ذلك.
<< ولم يسأل المواطن نفسه: ومن أين تدبر الدولة كل ذلك.. خصوصاً بعد انهيار معدلات العمل والانتاج عندنا.. بل ان الدولة نفسها تخشي الاقتراب من المساس بهذه الأسعار وذلك الدعم.. وأمامها ما حدث أيام يناير في عصر الرئيس «السادات».. وما هو متوقع- لا قدر الله- لو تجرأت الدولة واقتربت من هذا الدعم.
<< تلك هي المعضلة الكبري.. من أين.. وكيف.. وهل يتقبل الشعب؟ أنا نفسي أري الخطر كله قادماً بسبب تلك الفجوة الرهيبة.
وأمان.. ياربي أمان!