ليلى تكلا
«المصالحة» مع من ؟ ولماذا «ثورة ثالثة» ؟
أحداث تكررت فأصبحت ظاهرة تقوم على طرح دعوة معينة ينشغل بها المجتمع والإعلام تستنفد الطاقة والجهد والحوار على حساب أمور أخرى أكثر أهمية. نعيش اليوم وسط هذه الأجواء بسبب نشر دعوتين إحداهما تلك الدعوة للمصالحة التى هبطت علينا. لتردد ما تقوله دول تراقبنا وتتصور أنها يمكن أن تفرض علينا ما تريد مما يقتضى التأنى والتحليل الموضوعى لتساؤلات لابد من طرحها قبل تقييم الأسباب والأهداف والملابسات.
ابتداءً المصالحة مبدأ مطلوب ومقبول يقوم على الدعوة للسلام تستعمله الأمم المتحدة فى برامج التقنية الفنية لحقوق الإنسان، نجح تطبيق المصالحة بين الدول وبين القبائل والعشائر فى إفريقيا. يطلق عليه أسلوبTruth and Reconciliation «الحقيقة والمصالحة» بمعنى أنه لابد أن يكون مؤسساً على الحقائق التى يعترف بها الطرفان وإلا فإن الصلح لن يصمد طويلاً ولن يحقق اهدافه .
المصالحة تكون بين طرفين بينهم ندية أى على نفس المستوى لا تكون بين دولة ومنحرفين أو جماعة مارقة. العلاقة بينهما يطلق عليها العفو والصفح ليس المصالحة. فى المصالحة التى يسعون إليها يكون الطرف الآخر غير محدد لا يعرف بالضبط من هم ، مجموعات وفرق متنافسة وأحياناً متصارعة والسؤال باسم أى منها يتحدثون ؟ ولو فرضنا أن هذه الجماعة أقسمت أن توقف عملياتها الإرهابية فذلك لن يقود إلى الأمن والاستقرار لأن هناك جماعات أخرى سوف تستمر فى جرائمها لأنها ليست طرفاَ فى هذا الاتفاق. دعاة المصالحة يستندون إلى أن المارقين «مواطنون» صحيح أن المواطنة حق مستقر، لكنها ليست ورقة تسجل الجنسية. المواطنة علاقة تقوم على الحق فى ممارسة الحقوق والمشاركة وأيضاً الالتزام بالواجبات والولاء للوطن. هذه كلها لا تتوافر لدى الجماعة فهم يلتزمون بقوانينهم الخاصة ويطيعون أوامر تصدر لهم من الخارج. لا يحترمون الوطن ورموزه منهم من لا يؤدى التحية للعلم، ومنهم من لا يقفون للسلام الجمهورى. لا يؤمنون بالحقوق المتساوية لجميع المصريين بل يستعبدون كل من لا ينتمى إليهم. الدول التى أطلقت هذه الدعوة تستند لحجج واهية منها أن الإخوان وصلوا للحكم بالانتخابات، ونحن نعلم وهم يعلمون، أنها لم تكن انتخابات نزيهة ولا حرة، وأن هذه الدول لم تتصالح مع أحمدى نجاد، أو شافيز، أو كاسترو.. هؤلاء كانوا منتخبين ولا مع هتلر. لم يتصالحوا مع قيادات النازية. يتتبعونهم إلى اليوم حول العالم أو يخطفونهم ليحاكموا أمام محاكم خاصة تحكم عليهم بالإعدام. ولم يطلب لهم أحد الغفران. يبررون ذلك بأنها كانت حالة حرب ويتجاهلون أن مصر تعيش حالة حرب.. حرب شرسة تحمى مصر بل العالم من وحشية الإرهاب..
ثمة تساؤل لماذا المصالحة الآن بعد ما أن ثبت قيامهم باغتيال النائب العام وخيانة الأمانة، والتفريط فى أسرار الأمن القومي، والتخابر مع دولة أجنبية لا تريد الخير لمصر. إلى جانب بيع أرض الوطن وتفكيك مؤسسات الدولة واستدعاء آلاف المجرمين للعود وغير ذلك كثير مما يخالف الدستور والقانون والأخلاق وأصول المواطنة.. جرائم الإرهاب لا مجال فيها للمصالحة ونتساءل هل فرنسا وبلجيكا على استعداد للمصالحة مع الجناة؟ الالتجاء لمجلس النواب للمصالحة لا يؤدى إلا لشغل المجلس عن مسئوليات ملحة ملحة لم يبدأ ممارستها بعد كما أنه أسلوب ساذج يتجاهل مبدأ الفصل بين «وظائف الدولة» ولا أقول «سلطات الدولة» فالسلطة تظل دائماً للشعب فوضها للحكومة التى تمارس الوظائف حسب الدستور، ذلك المبدأ يقوم على أن المجلس يصدر القوانين التى تحكم الأفعال، والقضاء يقرر إذا كان العمل جريمه ويصدر الأحكام، والعفو لا يكون إلا فى ظروف محددة. هو رخصة للرئيس السيسى استخدمه بحنكة ودراية وحكمة بالعفو عن الشباب الذى ضل الطريق أفرج عنهم ومد إليهم يد مصر ليعودوا مواطنين صالحين ومصر تراعى فى كل ذلك الدستور والقانون ومصلحة الوطن والرأى العام. ظهر واضحاَ أن الرأى العام المصرى لا يؤيد هذه المصالحة بل ارتفعت أصوات تطالب بإعدام المسئولين عن عرقلة التنمية وهز الاستقرار واغتيال أجهزة الأمن والمدنيين وتخريب المنشآت بل والمشاكل الاقتصادية والتلاعب بالعملات إلى جانب القتل والدمار. أغلب قطاعات الشعب تطالب بالردع والقصاص والحزم فى مواجهة التعامل مع الإخوان وإخوانهم . تطالب بدم الشهيد والقصاص وحماية المواطنين.
مصر ترحب بالإخوان الذين تصالحوا مع أنفسهم وأدركوا صحيح عقيدتهم الدينية الكريمة فتركوا الجماعة بعد أن اكتشفوا ما اكتشفوا. عادوا إلى أحضان الوطن وإلى المجتمع الذى رحب بهم. اندمجوا به وأصبح لهم جميع حقوق المواطنة وواجباتها، وهناك فى هذا المجال اقتراحات قيمة للدكتور رفعت السعيد عن كيفية التعامل ومعالجة العائدين من ساحة الإرهاب جديرة بالدراسة.
نقطة البداية فى المصالحة فى يد أنصارها وليست مع الدولة أو البرلمان. عندما ينجح هؤلاء فى علاج المنحرفين من داء العنف والقتل والتخريب والدمار والإساءة إلى عقيدة دينية كريمة عند التوبة والاعتراف بالحقيقة يمكنهم إعطاء أنفسهم الحق فى عرض هذا الاقتراح.. حتى يستحق أن يكون تطبيقاً لمبدأ «الحقيقة والمصالحة». وأنصار المصالحة لهم علاقات جيدة تعاونية قوية مع عدد من الدول التى تدعو إليها ألم يكن أولى بهم استثمار هذه العلاقات من أجل مصر وتصحيح الصورة الخاطئة التى يروج لها أعداء الوطن بدلاً من الترويج لهذه الدعوة التى تشتت الأفكار وتشغل المصريين بأمور ثانوية، وإهدار الطاقة وقع بعض الإعلام فريسة لها.
بعد كل هذا فإن السؤال الأساسى هو: ما هى الأهداف الحقيقية لهذه الدعوة وامثالها؟ الإجابات كثيرة متعددة ومختلفة وللحديث بقية.