الصباح
خالد عكاشة
يوسف ندا.. ممول إرهاب الإخوان
*أسس بنك «التقوى » بميزانية بلغت 259 مليون دولار.. وأشهر إفلاسه بعد 4 سنوات
*ولد فى 1931 .. وقبض عليه فى 1954 .. ومرسى عفا عنه فى 2012
*الاستخبارات الأمريكية والأردنية اتهمت بنكه بدعم «الإنقاذ » الجزائرية والزرقاوى

أصدرت الولايات المتحدة الأمريكية قرارا الأسبوع الماضى برفع الحظر عن أموال المهندس «يوسف ندا» ملياردير الإخوان الشهير، وهو ما فتح الباب أمام الكثير من علامات الاستفهام المثيرة، كما فتح الباب أيضا من الناحية الأخرى أمام الربط بين موقف الإدارة الأمريكية المؤيد للإخوان وإصرار ومراهنة الإدارة الحالية على هذا التنظيم، فعلامة الاستفهام الأولى تدور حول سبب رفع الحظر عن أموال يوسف ندا هل هو محاولة من الإدارة الأمريكية للضغط على مصر لقبول المصالحة مع الإخوان، والعلامة الثانية تشير إلى سعى نفس الإدارة فى فتح طرق ومسارات بديلة لتمويل الإخوان لعملياتهم فى مصر، هذا نتيجة تجفيف منابع التمويل المالى بسبب القيود التى تفرضها الحكومة المصرية منذ الإطاحة بمحمد مرسى وجماعة الإخوان من السلطة فى أعقاب ثورة 30 يونيه، وعلامة الاستفهام الثالثة ترجح أن هذه الخطوة غير المبررة سيكون لها نتائج فعل كثيرة نتيجة التقارب الشديد بين الإخوان والإدارة الأمريكية حتى بعد إقصائهم من السلطة.
يوسف ندا اسمه بالكامل يوسف مصطفى على ندا ولد فى الإسكندرية عام 1931م وتخرج فى كلية الزراعة جامعة الإسكندرية، ثم بدأ نشاطه العملى بتأسيس معمل للألبان فى الإسكندرية وانضم لجماعة الإخوان المسلمين عام 1947، قضى فترة ما قبل ثورة يوليو يؤسس لبعض الأنشطة الاقتصادية والتجارية الممولة لجماعة الإخوان فى داخل مصر وقد أظهر نجاحا لافتا فى هذا المضمار، وظل ندا يمارس هذا النشاط حتى تم القبض عليه فى قضية محاولة اغتيال جمال عبد الناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية فى أكتوبر عام 1954م، قضى ما يقرب من عامين فى السجن ثم أفرج عنه فى أبريل عام 1956م ليغادر مصر سريعا بعد ذلك مباشرة، فقد التقطه التنظيم الدولى ورشحه للعمل فى إدارة المحفظة المالية الإخوانية فى المجال الدولى عبر المشروعات الموجودة فى أكثر من دولة أوروبية وأمريكية.
يحمل يوسف ندا الجنسية الإيطالية ومقيم فيها، ومنها بدأ حياته التجارية وثروته الضخمة، وفيها أيضا عين كمفوض للعلاقات الدولية فى جماعة الإخوان المسلمين، على مدار تاريخ التنظيم الدولى للإخوان يعد يوسف ندا من أكبر الممولين لأنشطة الإخوان فى الداخل والخارج، فهو يحظى بشبكة هائلة من العلاقات الدولية استطاع خلال عشرات السنوات من إقامته بعواصم أوروبية أن ينسجها مع عدد كبير من قادة وزعماء العالم، بداية الظهور العلنى ليوسف ندا كانت بالتعاون مع أحد شركائه يدعى «غالب همت» وهو أحد قيادات إخوان سوريا، حيث ظهرا فى الأوساط التجارية العالمية يمتلكان مؤسسة ندا للإدارة والتى تم تأسيسها فى أواخر 1980، ثم فى خطوتهما التالية وهى الأكبر والأخطر كانت (بنك التقوى - الباهاما) وهو بنك تأسس فى العام 1988م «كأول بنك إسلامي» يعمل خارج الدول الإسلامية، وبالفعل استطاع البنك تحقيق مكاسب كبيرة فى سنواته الأولى ليصبح يوسف ندا شخصية مرموقة فى عالم الاقتصاد والمال فى أوروبا ودول العالم الإسلامى، ويقع مركز البنك الرئيسى فى «جزيرة ناسو بجزر الباهاما» المجاورة للولايات المتحدة الأمريكية، وهى جزر متاح بها العمل على «نظام الأوفشور» فى العمليات المصرفية والاستثمارية من دون مراقبة ضريبية من الحكومات، وعرف عن هذا البنك فى فترته الأولى تلك تسمية أخرى شائعة « بنك جماعة الاخوان المسلمين «إذ إنه أحد الجوانب الاستثمارية المهمة لجماعة الإخوان المسلمين التى كان محظورا نشاطها فى مصر وعدة بلدان فى الوطن العربى والعالم.
وكانت الميزانية المعلنة لـ«بنك التقوى» قد أشهرت فى 31 ديسمبر 1994 بـ 258.667 مليون دولار أمريكى، ثم فى لعبة مالية غامضة لها علاقة بخطط التنظيم الدولى آنذاك أفلس البنك فى العام 1998م، واتهم عدد من أعضاء جماعة الإخوان رئيس مجلس إدارة البنك المليونير يوسف ندا الذى يحمل الجنسية الإيطالية والمقيم فى سويسرا بقيامه متعمدا بإفلاس البنك، ثم بعدها بفترة وجيزة أعلن الرئيس الأمريكى جورج بوش عقب عملية 11 سبتمبر 2001م بتفجير برجى التجارة بنيويورك تجميد أموال «مجموعة التقوى» بتهمة الإرهاب، ونفى يوسف ندا عدة مرات أن يكون بنك التقوى «حصالة الإخوان المسلمين» أو أن يكون للجماعة أموال مودعة به، رغم أنه ووفق للأوراق الرسمية للبنك بعد عرضها على جهات التحقيق كان من كبار المودعين فى بنك التقوى كل من يوسف القرضاوى وزغلول النجار وخيرت الشاطر، وفى هذا الوقت وجهت اتهامات للبنك بوجود صلات بعدة منظمات وشخصيات إرهابية دولية مثل أسامه بن لادن «وتنظيم القاعدة»، حيث كان اثنان من أقرباء أسامة بن لادن من بين حملة الأسهم فى البنك، وخلال التحقيقات بشأن تفجيرات سفارتى الولايات المتحدة الأمريكية بشرق أفريقيا «تفجيرات نيروبى ودار السلام» فى العام 1998م، أكتشف أن أحد مؤسسى البنك وهو «أحمد إدريس نصر الدين» وهو ثرى من أصول إثيوبية والذى عمل ذات مرة قنصلا فخريا للكويت فى ميلانو، هو أحد الموظفين السابقين فى مجموعة بن لادن، وقد كان نصر الدين «الممول الرئيسى للمركز الإسلامي» فى ميلانو والذى ذكرت الأجهزة الأمنية الأمريكية أن المركز اعتبر محطة لإرسال المتدربين إلى معسكر تدريب تنظيم القاعدة فى أفغانستان.
رأس مجلس إدارة بنك التقوى يوسف ندا وهو الذى صنف من قبل الاستخبارات الأمريكية كأحد داعمى جماعات الإرهاب مثل تمويله لجبهة الإنقاذ الجزائرية، كما إتهم الأردن بنك التقوى بتقديم «دعم مادى» إلى خضر أبوهوشر وأبو مصعب الزرقاوى المتهمين بالتخطيط لهجمات على سياح بمناسبة احتفالات الألفية فى عمان بالأردن، لذلك أغلق البنك فى العام 2001 بقرار دولى من مجلس الأمن الدولى بعد اتهامات له بدعم وتمويل الارهاب فى أكثر من منطقة على مستوى العالم، وللغرابة لم تتقدم أى من الأجهزة الأمنية للدول التى اتهمته بدعم الإرهاب بالأدلة الثبوتية التى كانت تمتلكها ضد البنك وعلى رأس هذه الدول أمريكا، لذلك لم تثبت صحة الاتهامات الموجهة لبنك التقوى ومجموعة ندا للإدارة بتمويل جماعات إرهابية، وبالتالى حفظ التحقيق فى القضية فى عام 2005 ثم أتبعه التخلى عن التحقيق بعد بطلان الاتهامات الموجهة للمجموعة فى عام 2007 كما نشرته وكالة سويسانفو السويسرية !!!!
«مؤسسة ندا للإدارة» والتى كان مقرها مدينة لوجانو السويسرية كانت تدير بنك التقوى من ضمن أنشطتها المتعددة والمتشعبة، تم تغيير اسمها فى العام 2000 لتصبح «مؤسسة التقوى للإدارة»، واعتبارا من أغسطس 2002 أصبح ليوسف ندا كيانان الأول «شركة التقوى للتجارة والعقارات» والثانية «مؤسسة ندا الدولية»، ولم تستطع أى من التقارير الرسمية المالية أو الضريبية أن تحصر ثروة يوسف ندا حتى الآن، فهو حقيقة يدير محفظة مالية يفرض عليها ستار كثيف من السرية وبدت طوال محطاتها التاريخية أنها تحظى بحماية أجهزة دولية عديدة، نظرا لتشعب وتعدد مشاريعه الاقتصادية غير المسبوق فى طبيعة الشركات أو المشروعات التى تدار بتلك الكيفية فضلا عن غموضها الشديد المكفول برعاية التنظيم الدولى للإخوان، بدا ذلك مطروحا بقوة خاصة لما هو معروف عن ندا ولعبه طوال الـ25 سنة الماضية دورا مهما فى جماعة الإخوان المسلمين، فهو الذى رتب العلاقة بين الإخوان والثورة الإيرانية وتوسط بين السعودية واليمن، ثم بين السعودية وإيران وبذل مجهودا كبيرا فى حل الأزمة بين الحكومة الجزائرية وجبهة الإنقاذ فى حقبة الصراع المسلح الدامى الذى شهدته الجزائر قبل وصول الرئيس بوتفليقة للحكم.
سبق أن أصدر الرئيس المعزول محمد مرسى فى يوليو 2012 عفوا عاما عن يوسف ندا فى خطوة كانت غير مفهومة حينئذ، ولكنها كانت فى إطار ضمان فتح قنوات جديدة لتمويل الجماعة، وكانت مقدمة بترتيب ما مع جهات بعينها لحماية أموال الملياردير الذى يتحكم فى مشروعات كثيرة تعود بالنفع على الإخوان فى مصر والتنظيم الدولى للإخوان عامة، واستعدادا لطى صفحة من الحظر الدولى الذى كان مفروضا عليه فيما سبق تلك الخطوة، فجميع المعطيات السابقة ومهارات العمل المكتسبة لديه فضلا عن تواصله مع دوائر خفية ضمنت له تحقيق نجاحات سابقة ووفرت له حماية مريبة، تلك المعطيات تشير بقوة إلى أن يوسف ندا الذى يقيم منذ تفجيرات سبتمبر 2001م فى منطقة على حدود إيطاليا وسويسرا، سيعمل خلال الفترة المقبلة بتحركات واتصالات محددة لإعادة العمل والنشاط للإمبراطورية الاقتصادية والمالية المملوكة للإخوان حول العالم، وأنه طالما عادت الذراع الاقتصادية للإخوان الممتدة فى جميع أنحاء العالم سيتبعها انفراج سياسى كبير يتم التخطيط له، وسيكون عنوان تلك الإنفراجة هو إنهاء للحظر المفروض على الجماعة سواء فى دول الغرب أو فى الدول العربية، فإعلان واشنطن المفاجئ رفع الحراسة عن أموال مفوض جماعة الإخوان للعلاقات الخارجية يوسف ندا يثبت بما لا يدع مجالا للشك تعاون الإخوان مع الادارة الأمريكية، وأن هذه الخطوة تثبت أن الجماعة قدمت خدمة جليلة للأمريكان فى تفتيت المنطقة ونشر الفوضى، وهو ما تكافأ عليه الجماعة بإعادة أموال أحد إمبراطوريتها المالية كرسالة دعم تحتاجها الجماعة ومن خلفه التنظيم الدولى بشدة، وتشير بعض من التقارير الأمنية إلى أن يوسف ندا سيسترد ثروة ضخمة تقدرها بعض المصادر بحوالى 12 مليار دولار، وهو رقم جعل البعض يربط ما بين تلك المحفظة المالية الكبيرة وبين أجهزة إستخبارات خارجية، ويمكن تصور المدى الذى قد تلعبه تلك الأموال فى نشر الفوضى فى المنطقة ودعم الإرهاب، خصوصا فى ليبيا وهى التى يراهن عليها التنظيم الدولى للإخوان الآن لتمكين المليشيات المسلحة من حكمها أوالسيطرة على مفاصلها على أقل تقدير، وهذا يوفر من وجهة نظر مخططى هذا السيناريو إرهاق النظام المصرى فى كثير من الملفات الداخلية والخارجية، وهذا السيناريو يعبر عن نفسه الآن بالرفض القاطع رغم كل المخاطر بالداخل الليبى من تسليح الجيش الليبى الوطنى لاسترداد عافيته وقدرته على مجابهة حجم التهديد المسلح من قبل تلك الميليشيات المسلحة.
ويجدر فى النهاية الإشارة إلى (تقرير مجلس الأمن رقم 1267/1989) بشأن «تنظيم القاعدة والكيانات والأشخاص المرتبطين به»، وتم نشره فى 9 إبريل من العام 2002، وهو التقرير الذى من خلاله تم إدراج يوسف ندا فى 9 نوفمبر عام 2001 فى الفقرة الثامنة منه كونه مساهما فى تنظيم القاعدة، وذلك وفق نص التقرير كونه (مشاركا بالتمويل والتخطيط والاعداد وتسهيل الدعم للأنشطة المقترنة والداعمة أو التى تعمل باسم تنظيم القاعدة)، بعد أن رصد التقرير أن يوسف ندا مول عمليات إرهابية قام بها تنظيم القاعدة من خلال الشبكة المصرفية الواسعة والمنتشرة من خلال فروع شركاته، والتى قادها أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، وبالرغم من قيام الأمم المتحدة فى مارس من العام 2010برفع اسم يوسف ندا من قوائم المطالبين دوليا إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية أصرت على وضع اسمه فى قوائم المطلوبين لديها، لدعمه وفق معلومات أجهزتها الإستخباراتية أنشطة «تنظيم القاعدة» وتمويل الجماعات الإرهابية والأصولية المتشددة، إلا أن الإدارة الأمريكية الآن ومؤخرا فى خطوة غير مفهومة رفعت الحظر عن ذلك كله، لتثير فى وجوهنا عاصفة من علامات الاستفهام والرغبة فى الاستدلال عن غموض تداعيات هذه الخطوة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف