الصباح
محمود صالح
إبراهيم الهنيدى.. حانوتى فى الوزارة!
عندما وقف المستشار أيمن عباس رئيس لجنة الانتخابات ليعلن فى مؤتمر صحفى تأجيل انتخابات البرلمان المقبل الذى كان مقررًا إجراء أولى جولاته نهاية هذا الشهر، وذلك استجابة لحكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان قانون تقسيم الدوائر، أصيب قطاع واسع من الرأى العام بصدمة وأصيب القطاع الأوسع من السياسيين بخيبة أمل وأصيبت الأحزاب والتحالفات بهزة عنيفة فالكل كان قد حسم أمره تقريبا لإنهاء المرحلة الثالثة والأخيرة من خارطة الطريق وكان رجل واحد يقف خلف هذا المشهد بسوء إدارته لموقعه الوزارى الرفيع وعدم احترافه فى مهنته بل وعدم استماعه منذ شهور لأصوات مخلصة قانونية وسياسية حذرته من عدم دستورية ما يفعله.. إنه المستشار إبراهيم الهنيدى الذى فشل فى موقعه وزيرا للعدالة الانتقالية فلم ينتبه أحد لكن الجميع انتبهوا وغضبوا من فشله فى إدرارة لجنة إعداد قوانين لانتخابات فالفشل هذه المرة تعلق بمسار سياسى تعطل إلى حين وبمليارات أنفقها المرشحون على امتداد دوائر مصر فضلا عن الأثر السلبى الذى تركه تأجيل البرلمان قبل انعقاد المؤتمر الاقتصادى بأسابيع قليلة
تولى المستشار ابراهيم الهنيدى رئاسة لجنة إعداد قانون الانتخابات قبل 6 شهور ليتم ومعه فريق قانونى إعداد القوانين التى ستنظم العملية الانتخابية وقد كانت أولى إمارات الفشل لدى الرجل طول الفترة التى استغرقها فى هذا الإعداد، حيث صرح فى كل مرة يتم فيها إعلان تأجيل هذه القوانين أن اللجنة حريصة على التدقيق والعمل بسرية وعلى مراجعة النصوص القانونية ومطابقتها بالدستور، وكرر هذه التصريحات عشرات المرات حتى أصاب المتابعين بالملل لكن الناس تحملته على أمل أن يخرج فى النهاية بقانون انتخابات نموذجى بلا ثغرات يتيح للمرشحين وللأحزاب خوض غمار منافسه على برلمان مستقر وصلب وغير قابل للطعن عليه، فى هذه الأثناء كان المستشار إبراهيم الهنيدى قد تولى منصبه من جديد فى حكومة إبراهيم محلب الثانية وبقى معه من وزارته الأولى عدد من الوزراء منهم الهنيدى الذى أضيف لاسم وزارته « العدالة الانتقالية «اسم جديد هو «شئون مجلس النواب».. جاء الهنيدى إلى الأصل فى منصبه كوزير للعدالة الانتقالية لأول مرة فى يونيو 2014 خلفا لشخص غامض تولى هذا المنصب لاول مرة هو المستشار أمين المهدى وهو قامة قانونية كبيرة لكن فترة وجوده فى منصبه لم تترك أى أثر لدى الجمهور حيث كان الرجل قد تجاوز الثمانين وهو على أعتاب الوزارة، توقع البعض من ابراهيم الهنيدى فى وزارة العدالة الانتقالية أداًء مختلفًا يحيى دور هذه الوزارة حيث إنه شاب نسبيا «ولد عام 1963 وتخرج فى كلية الحقوق وتدرج فى المناصب حتى وصل لمساعد وزير العدل لشئون جهاز الكسب غير المشروع».. فى المستوى البسيط لم ينجح الهنيدى فى شرح مفهوم وطبيعة عمل وزارته للرأى العام رغم الأهمية القصوى لهذه الوزارة فى أية دولة تحدث فيها ثورات أو أحداث سياسية كبرى يقع فيها ضحايا، على المستوى القانونى الدولى يتمتع هذا المفهوم باحترام واسع يعتبر تطبيقه من ضمن شروط اندماج هذه الدول فى المجتمع الدولى، وبحسب تعريف دور الوزارة على الموقع الرسمى لها فإنها تضمن «العبور الأمن للمرحلة الانتقالية التى تمر بها البلاد باقل تكلفة وأكبر عائد على نجو يدعم الوحدة الوطنية ويحقق المصالحة الوطنية الشاملة» و«ترسيخ احترام حقوق الانسان وتعزيز دور المجتمع المدنى» و«تكريم المضارين من انتهكات حقوق الانسان فى الفترات السابقة على المرحلة الانتقالية والعمل على جبر الأضرار ماديا ومعنويا» وأيضًا «الاصلاح والتطوير المؤسسى الكامل».. فى هذا الإطار يمكننا القول إن الرجل لم يتحرك خطوة واحدة جادة تكشف أن هناك وزارة فى مصر بهذا الاسم، نتحدث هنا ليس عن قاضٍ ترك منصته بل عن «منصب سياسى» يتطلب من الرجل خيالا سياسيًا وإدراكًا للواقع ومبادرات تتعلق مثلا بمصابى وشهداء ثورة يناير، الرجل لم يفعل شيئا يضيف أى شئ للدولة فى هذا الملف، أيضا فى مواجهات قانونية عنيفة خاضتها الدولة المصرية بجسارة ضد إدعاءات الإخوان فى الخارج لم يكن لوجود الوزير الهنيدى تأثيرا يذكر، وعندما تولى رئاسة اللجنة المكلفة بإعداد قانون الانتخابات توقع الكثيرون أن ينجز الرجل فى هذا الملف عوضا عن أدائه السياسى الضعيف للغاية فى وزارته ولم ينتبه الهنيدى لذلك بل على ما يبدو استغرق أكثر من اللازم وركز فى عمله وجمع عددا من الخبراء الدستوريين منهم الدكتور على عبد العال والدكتور صلاح فوزى واللواء رفعت قمصان ممثلا عن مجلس الوزراء وظل شهورًا طويلة يراوغ الرأى العام ويعد بافضل قانون انتخابات لن تطاله شبهة عدم الدستورية، إلا أن جاء حكم المحكمة الدستورية الأول ببطلان قانون تقسيم الدوائر ليضع لجنة الهنيدى فى مواجهة مع الجماعة السياسية المصرية التى كانت قد أعدت العدة للانتخابات على نحو لم يحدث من قبل حيث إن نظام الـ80 فى المائة فردى و20 فى المائة من المقاعد للقوائم أربك الفردى والقوائم فى آن واحد وجعل كل الأحزاب تدور حول نفسها لشهور طويلة من أجل إعداد قائمة واحدة تجتمع عليها القوى السياسية من أجل عدم تفتيت الأصوات ومنعا لأى اختراق من أنصار الجماعات المتطرفة من الاندساس فى أية قائمة، ليس هذا فقط فقد تراوحت تقديرات المبالغ التى أنفقها المرشحون والأحزاب مبالغ تجاوزت المليار جنيه تتضمن الدعاية الانتخالية التى كانت قد بدأت رغم عدم بدء المواعيد الرسمية وكذلك الكشوف الطبية للمرشحين ورسوم الترشح، إضافة إلى الحملات الانتخابية لكل مرشح التى تم الإنفاق عليها بانتظام طيلة الستة شهور الماضية، اللافت أنه فى الوقت الذى جرى فيه تغيير عدد من الوزراء منذ أسابيع ثم تغيير 17 محافظا فى تقليد قصد به الرئيس أن من لا يؤدى جيدا وسريعا وبقوة فى موقعه سيرحل فورا بقى الهنيدى فى منصبه لأسباب تتعلق بحساسية هذا الملف ووجود تفاصيل ومخاطبات متبادلة بين اللجنة التى يرأسها الهنيدى وبين مؤسسات الدولة مع ذلك لم يقدر الهنيدى ذلك وبدا خطابه مع استمراره فى رئاسة اللجنة بنفس القدرة على استفزاز الرأى العام وعدم تقدير الموقف بين ما هو سياسى وما هو قانونى وتكررت مقولاته المستفزة على مدار الأيام الماضية من عينة « اللجنة ارسلت فى طلب آخر الاحصائيات بعدد السكان والناخبين على أن تقوم اللجنة بالتدقيق فى الأرقام، لضبط العملية الحسابية الخاصة بتحديد الوزن النسبى للدوائر «الأمر الذى أثار عاصفة من الجدل والتساؤلات حول» هل وضع الهنيدى من الأصل القوانين السابقة دون الرجوع بدقة لآخر الإحصائيات بعدد السكان والناخبين منعا لهذه الثغرات القانونية والدستورية التى تسببت فى تأجيل الانتخابات لستة أشهر كاملة قادمة على أحسن التقديرات؟! السؤال هنا لماذا لم يعتذر إبراهيم الهنيدى للرأى العام على أدائه السيئ فى ظرف لا يحتمل؟1 الإجابة أن هناك مسئولين يقدرون قيمة اللحظة التاريخية التى تحياها شعوبهم وهناك مسئولون يستمرون فى نفس الأداء وكأنهم «يسيرون نياما».. إبراهيم الهنيدى بالطبع من النوع الأخير وإنجازاته الأخيرة فى قانون الاستثمار الموحد خير دليل على ذلك!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف