حمدى الكنيسى
كلام من لهب ! رئيس الوزراء .. والأدراج المفتوحة
هي اذن معركة قاسية مع جهاز إداري يمتلك ترسانة من القوانين واللوائح التي يكمن داخلها وحش الروتين، ولديه بالتالي القدرة علي عرقلة أي تحرك للإنجاز
استثمر رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل طوال الفترة التي سبقت إلقاء «بيان الحكومة» في القيام بتحركات مكثفة التقي خلالها مع معظم النواب في دوائرهم ومحافظاتهم فاقترب منهم ومن أفكارهم أكثر، وتعرف منهم علي قضايا ومشكلات أكبر، ولعل ذلك كان يحدث لأول مرة مما يؤكد أننا نعيش نقطة تحول برلمانية غير مسبوقة، فالبرلمان غير البرلمان حيث صار ولاء النواب لمن انتخبوهم بمنتهي النزاهة والشفافية، وبالتالي نراهم في مجلس النواب مدججين بنوايا الرقابة والتشريعات كما يجب أن تكون، متحمسين للأداء الفعال حتي لو شابه الانفعال، وهذا ما اتضح مثلا في رفض قانون الخدمة المدنية، وما ظهر في ردود أفعالهم إزاء «التعديل الوزاري»، الذي سبق البيان بأيام إذ رحب به البعض، وتشكك في جدواه البعض الآخر.
من جهة أخري كان الإعلام يقف في الوسط بقوته الرهيبة متربصا، وبأضوائه المبهرة متحفزا ليشعل المزيد من حماس النواب، ويقلق المزيد من أداء الحكومة!! هكذا وسط مناخ مختلف، وأجواء مختلفة، وضغوط مختلفة جاء بيان الحكومة كما ألقاه المهندس شريف إسماعيل بهدوء ودون محسنات خطابية مثل «لغة الجسد» أو الردود الخاطفة علي التعليقات التي يطلقها بعض النواب أثناء حديثه، واستغرق البيان ساعة «كاملة» متضمنا سبعة محاور ومعلنا «١٢» مشروعا، وموضحا لاثني عشر تحديا ليترقب الجميع موقف مجلس النواب، هل يقول النواب لرئيس الحكومة: إننا نقبل البيان لان محاوره السبعة تؤدي إلي «دعم مصر»، أو يقولون له: عفوا سوف نحجب الثقة عنكم حتي ندفع عن أنفسنا مظنة تلقي الأوامر بالموافقة كما كان يحدث من قبل!
في نفس الوقت انطلقت الماكينة الإعلامية هادرة مدوية، ما بين تأييد صاخب للحكومة، أو انتقاد صارخ لبيانها، وذلك كله وفقا لما يحكم الإعلام في هذه الأيام من أجندات مختلفة أضعفها للأسف الأجندة الوطنية الخالصة المهنية الواعية، وهذه هي النتيجة الطبيعية لغياب وتأخر قيام المنظومة الإعلامية التي نص عليها دستور ٢٠١٤ متمثلة في «المجلس الأعلي لتنظيم الإعلام والصحافة»، و«الهيئة الوطنية للإعلام المرئي والمسموع»، و«الهيئة الوطنية للصحافة»، ومع رأس الحربة الضرورية وأعني «نقابة الإعلاميين»، بما تملكه من ميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني.
ومن الطبيعي ان يفرض السؤال المنطقي نفسه علي من يتصدي للكتابة عن البيان الحكومي: ماذا عن محاوره السبعة؟ وأيها يستحق التأمل والتحليل قبل غيره من المحاور؟!
بالنسبة لي شخصيا- مع التأكيد علي أهمية كل ما تنطوي عليه المحاور السبعة من حقائق ورؤي ووعود- فإنني أتوقف اليوم أمام «الإصلاح الإداري»، أو بتحديد أكثر «إعادة الجهاز الإداري للدولة علي أسس الكفاءة والنزاهة والفاعلية»، لان معني ذلك -يا حضرات- لو تحقق- هو النجاح المنشود في ضرب الفساد، والقضاء علي البيروقراطية، واطلاق عجلة الإنتاج بصورة حقيقية. ونحن نتمني - من سويداء القلب- أن تحقق الحكومة ما وعدت به في هذا المجال، علما بأن مهمتها صعبة تقترب من المحال، إلا أن الإرادة السياسية من أعلي مستوي في الدولة، والرقابة الشعبية من أقوي برلمان، كفيلة بتحدي المستحيل، ما دمنا ندرك حقيقة وأبعاد الجهاز الإداري الذي توغل وتوحش وصار بؤرة للتخلف والفساد، وحاضنا للبيروقراطية اللعينة، ولن يتردد في أن يقف بمنتهي القوة والجبروت في وجه محاولات الانجاز والابتكار والسعي لتحقيق الآمال والطموحات واللحاق بالعصر حتي نحتل المكانة اللائقة بتاريخنا العريق وشعبنا العظيم وثورتينا اللتين بهرنا بهما العالم!
وهي اذن معركة قاسية مع جهاز إداري يمتلك ترسانة من القوانين واللوائح التي يكمن داخلها وحش الروتين، ولديه بالتالي القدرة علي عرقلة أي تحرك للإنجاز أو الحصول علي الحقوق المشروعة للمواطن، ويكون الحل غالبا هو «فتح الأدراج»، حتي يفهم صاحب الحاجة المطلوب «من جيوبه»، باختلاف مستواه الاجتماعي أو حجم مشروعه، وذلك دون أي اعتبار لما يتعرض له صاحب الطلب من احباط، وما يصيب هدف الاستثمار من تعثر وترنح. ولكي اكون دقيقا اوضح أن «فتح الأدراج»، مجرد «رمز»، و«سمة واضحة»، لواقع الجهاز الإداري الذي تعهدت الحكومة بإصلاحه، «ربنا معاها وشعبنا وراها»!!