دعيت لالقاء محاضرة في أحد قصور الثقافة وكان الموضوع عن اعياد المرأة وعيد الأم.. بدأت بالحديث عن دور المرأة المصرية وأنجازاتها بداية من العصر الفرعوني الي ان وصلت لاحداث ثورة 1919 التي أرخ بها لعيد المرأة المصرية. ومقارنة بينها وبين عيد المرأة العالمي ثم عرجت علي عيد الأم.. وهنا تبدء الرواية كان من بين الجالسين فتاة في عمر الزهور. وعندما بدأت الحديث عن فضل الأم والاحتفال بها رفعت يداها قائلة: اليس عيد الأم وغيره من الأعياد بدعة من البدع وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وليس في الدين سوي عيد الفطر وعيد الأضحي؟!! وهنا كان علي شيئان الأول مراجعة تلك المفاهيم الخاطئة والثاني أرجعها عن هذا المنهج المضلل لجعلها انسانة متوافقة مع نفسها وقبول الأشياء بمنهج تفكيري وليس تكفيرياً لان بنات اليوم هن أمهات الغد.. وبدأت الحديث بأن المصري علي مر العصور مبدع والإبداع هو الاستجابة المغايرة للأحداث ولهذا فمعظم الأعياد في مصر وخاصة القديمة فمثلاً نجد من الحضارة الفرعونية خمسة اعياد هي "عيد اوزريس وزيارة الموتي عيد ست للشراب وحورس للخروج والرحلات في النيل وأيزيس لختان الذكور وليس الأناث وعيد كرنفال الزهور ربة الجمال والأناقة" وهذا يعني أن المصري منذ القدم يبحث عما يجعل لحياته احساسا بالمتعة والجمال لبناء نهضة ولهذا كان صانعا للحضارة والتاريخ ولأن الجينات متوارثة ظل أبناؤه وأحفاده علي هذا الحال ولكن لانه ملتزم أيضا بتعاليم دينية وقد وصي المولي عز وجل بفضل الوالدين واكد الرسول "صلي الله عليه وسلم" علي فضل الأم حينما قال امك ثم امك والقرآن اكد علي ذلك بقوله : "وبالوالدين احساناً" حدث في يوم ما أن ذهبت إحدي الأمهات للمبدع الراحل "مصطفي أمين" تبكي له جحود ابنها بعدما أضاعت عليه كل عمرها بعد رحيل أبيه فما كان من ابن الحضارة القديمة إلا تاريخ عيد جديد يضاف لأعياد المصريين ويحتفل فيه أفراد الأسرة كلهم بفضل الأم وعرفاناً بجميلها ورغم أن الأمهات لا تنتظر مردود عطائها ولأنها فكرة نبيلة تحث علي الحب والتقدير والعرفان تصاعدت عاما بعد عام الي أن أصبح جموع المصريين يحتفلون بأمهم في هذا اليوم ورغم أن الدين لم يذكر سوي العيدين فقط الا أنه يحث علي المودة والاخاء والحب وغيرها من المعاني الجميلة التي تدفع البشرية لاعمار الأرض. ولكن علينا هنا ان نقف مع أنفسنا لحظات نسأل أنفسنا عن المناهج الدراسية التي تقدم لهؤلاء الصغار وتذهب بهم الي مثل تلك الأفكار. وأن نبحث في المدرسين الذين يعلمون أولادنا ويملأون عقولهم بتلك الخرافات. وأين الأحاديث علي منابر المساجد وفي الكنائس التي تتصد لمثل تلك المفاهيم الدينية الخاطئة والمتطرفة. وأين القوة الناعمة في الفن الذي يقدم ليعمق فضل المرأة والأم في المجتمع أو الأسرة وليس تهميشها. اين العادات والتقاليد في الشارع المصري الذي دخل عليه الكثير من الأخطاء ولم نتصد لها حتي وصلنا الي ما نحن فيه الآن اليس مقولة المواطن العادي أن كل يوم يمر عليه دون مكروه فهو عيد. وفي النهاية وجهت سؤالا الي الفتاة الصغيرة اليس في علم البلاغة الذي يدرس لكم بأن هناك في اللغة ما يسمي بالتشبيه وهو تشبية الشيء بشيء آخر لوصول المعني وهذا ما فعله المصريون منذ القدم شبهوا كل شيء جميل حدث لهم بالعيد دليل علي مكانها بينهم!! ولكن رغم ما حدث فهناك بارقة أمل لاحت لي فبعد أن عددت للفتاة تلك الأمثلة كانت تجلس بجانبها معلمتها وبعد انتهاء الندوة قامت بتقبيلها قائلة لها كل سنة وأنت طيبة.. وهذا ما يجب أن يكون تصويب الخطاب الديني علي جميع الأصعدة وليس رجال الدين فقط لانها قضية مجتمع باكمله.