العبقرى جورج أورويل فى كتابه 1984 طرق أمور عدة، وأرسل إشارات مجازية فى اتجاهات كثيرة، ومن ضمن ما قاله فى حوار بين ونستون وأوبراين قال:
ليس هنالك غير أربع طرق لإزاحة فئة حاكمة عن سدة الحكم، فإما أن يتم قهرها من قبل عدو خارجى، أو أن تحكم بطريقة تعوزها الكفاءة وما يدفع الجماهير للثورة، أو تسمح لمجموعة من الطبقة الوسطى القوية والساخطة بالتشكل والظهور، أو تتزعزع ثقتها بذاتها وتفقد الإرادة فى الحكم. ولا تعمل هذه الأسباب منفصلة بعضها عن بعض فغالبا ما تجتمع معًا بدرجة أو بأخرى، ومن ثم فإن الطبقة الحاكمة التى تستطيع حماية نفسها من هذه الأسباب جميعها، إذ إنها تضمن التربع على سدة الحكم مدى الحياة، ولذلك يظل العامل الحاسم فى نهاية المطاف هو الحالة الفكرية والعقلية وكيفية تصرف الطبقة الحاكمة ذاتها.
جورج أورويل على لسان أوبراين ذكر أربعة أسباب:
قهر خارجى
عدم الكفاءة وسخط الجماهير الدافعة للثورة
طبقة وسطى قوية ساخطة تتشكل وتظهر
فقدان الثقة من قبل الطبقة الحاكمة يليها فقدان الإرادة فى الحكم.
نحاول بهدوء مناقشة الأربعة أسباب التى طرحها أورويل ونسقطها على وضعنا:
هل نحن مقهورون خارجيا، مطاراتنا تحت التفتيش والمراقبة الدائمة، ولن يرسلوا سياحا إلا بعد أن نسلم شركاتهم تأمين مطاراتنا، جهات التحقيق الإيطالية وكذلك التحقيق الروسية، جاءت لتشارك فى التحقيقات التى تحدث فى مصر، سواء بخصوص الطيارة الروسية أو الطالب الإيطالى، وأخرجت روسيا معلوماتها دون الرجوع إلى الجانب المصرى، لا يمر يوم إلا ويوجه الغرب لنا اللوم والتقريع، سواء بخصوص أوضاع حقوق الإنسان أو الديمقراطية، وبين يوم وآخر يخرج كيرى وزير الخارجية الأمريكى أو بان كى مون، لتوجيه اللوم أو التقريع للجانب المصرى علانية، البنك الدولى والصندوق يفرضان علينا شروطا دائمة لإعطائنا القروض ما بين تحرير العملة وتقليص الأجور وغيرها من الأمور، ونحن بكل قهر نلتزم بالسمع والطاعة، تلوح أمريكا بين يوم وآخر بقطع المعونات أو تقليصها أو فرض شروط علينا لإعطائها لنا، وأذلّتنا عشان تعطينا الـ"إف 16" اللى احنا دافعين تمنها.
وبكل قهر وأمام أعين الناس تم إخراج الأجانب المتهمين فى قضايا التمويل، رغم بقاء المصريين داخل السجن أيام المجلس العسكرى، وبعد ذلك أخرجنا محمد سلطان المصرى ذا الجنسية الأمريكية وأخرجنا بعد ذلك الحاصلين على جنسيات أخرى فى قضية الماريوت الشهيرة، الخليج تراجع عن دعمه المالى لنا الذى كان سخيا بعد الثلاثين من يونيو، وتراجع، حتى السعودية التى كانت تنتوى الاستثمار بـ30 مليار سعودى رفضت كل المشاريع التى عرضت عليها، كل هذا تم التصريح به علنًا وليس سرًّا، أما التسريبات فكثيرة، نسمع عن ضغوط للتصالح مع الإخوان، سواء من الخارج أو من الخليج، ولا نعرف ما يحدث إضافة لما قيل خلف الكواليس، ولكن الصحف الغربية تهيننا بشكل يومى وتسخر منا.
السبب الثانى: عدم الكفاءة وسخط الجماهير، لم نر أى أمارة بخصوص التعليم والصحة، فالأوضاع تزداد سوءًا ولم نسمع إلا وعودًا، الطرق والصرف الصحى، سمعنا وعودًا، ولكن الوضع كما هو عليه ونحن مقدمون على نهاية العام الثالث، العملة تنهار أمام أعيننا ونحن نقف متفرجين، ومع انهيار العملة ترتفع الأسعار بشكل مطرد، يصعب تحمله، وبالتوازى مع ذلك ترتفع أسعار الخدمات بشكل غير مسبوق، الفواتير: كهرباء ومياه وغاز وكذلك المواصلات بشكل مخيف، حتى الإسكان، اتجهت الدولة لرفع أسعارها بشكل غير مسبوق أرهق الشباب وامتص عرق المصريين بالخارج بدم بارد، وفى نفس الوقت يتم تثبيت رواتب الموظفين بإصرار عجيب رغم رفض القانون، والسخط يراه أى مواطن يعيش مع الطبقتين الوسطى والدنيا ويسمع أنّاتهم، ومن المؤكد أن السلطة تسمع هذا الأنين من خلال استطلاعات الرأى السرية لا العلنية، لأن الدولة حريصة على أن لا تظهر تلك النتائج للرأى العام إلا فى أضيق الحدود وبشكل مضلل، المظاهرات الاجتماعية بدأت تتزايد بشكل ملحوظ فى الفترة الماضية ومتوقع أن ترتفع وتيرتها فى المستقبل. والدولة عاجزة عن السيطرة على التضخم، وفى نفس الوقت رافضة تعويض الأجور بهذا التضخم، فالجماهير غير قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية، من مأكل وعلاج وسكن، وتئنّ ويرتفع أنينها يومًا بعد يوم.
السبب الثالث، تشكل طبقة وسطى قوية ساخطة، عليك أن تراجع الأعمدة الصحفية وتسمع البرامج التليفزيونية، معظم الصحفيين الموالين يتحولون رويدًا رويدًا إلى المعارضة، يكفى أن أقول إن محمود الكردوسى بدأ يعارض بنعومة، لتعرف إلى أى مدى فقدت السلطة ظهيرها السياسى والإعلامى، وتشكلت جماعة لحماية الدستور على رأسها عمرو موسى وعبد الله السناوى ونيفين مسعد وآخرون، وتشكلت ما يسمى جماعة البديل، حمدين صباحى وعمار على حسن وآخرون، وتتشكل فى البرلمان جماعات معارضة تتزايد بقوة.
السبب الرابع: الطبقة الحاكمة تفقد الثقة فى نفسها وبالتبعية تفقد الإرادة على الحكم، أعتقد أنها أكبر حالة اهتزاز من الممكن أن تمر بها طبقة حاكمة، حيث مرشحون يرفضون الوزارة بتصريحات الحكومة نفسها، وعدم القدرة على مواجهة الإعلام والصحافة، فلا تعقد المؤتمرات الصحفية للإجابة عن أسئلة الصحفيين، وهى قمة فقدان الثقة، والانفعال والعصبية هما سيدا الموقف.. تصريحات يتم التراجع عنها والاعتذار، سواء من وزارة الداخلية أو غيرها من الوزارات، زلات لسان تستتبع اعتذارات جمة وأحيانا الإطاحة بالوزراء، الرئيس بنفسه أخرج تعبيرات كثيرة، منها إنتوا اللى جبتونى هنا، أو أبيع نفسى، أو كل ما أحط إيدى فى حتة ألاقيها مليانة، حظر النشر الذى طال معظم القضايا الهامة ومنها تصريحات جنينة بحجم الفساد، حتى جلسات البرلمان التى فرض الدستور أن تكون علنية تحولت إلى السرية والكتمان، حتى بيان الحكومة أصبح بيانا سريا.
وبناءً عليه، فلو تجنبت الطبقة الحاكمة تلك الأسباب كما قال أورويل، سيستمر الحكم فترة طويلة، ولكن الطبقة الحاكمة تتقدم خطوة وتتراجع خطوات، هل نحن مبالغون؟ أتمنى ذلك.
فكما قال الصديق ياسر عبد العزيز فى "المصرى اليوم" فى "مفترق طرق"، وياسر عبد العزيز كان فى حملة الرئيس السيسى، قال ياسر: إن طريق الفوضى والانهيار لا يريده أحد وهذا حقيقى، وبعيدا عن طريق الصبر والاصطفاف الذى تريده الطبقة الحاكمة وبعيدًا عن طريق أهداف يناير والتغير الديمقراطى التى تريده القوى الحية كما سماها ياسر، أرشد إلى طريق رابع يجب أن نسير فيه بعيدا عن الطريق الذى تسير فيه الحكومة، وبعيدًا عن طريق المعارضة سماه الحوكمة والإنجاز.
أم أنا فأورويل ليس من بنى جلدتنا ولا يفهم الشعب المصرى جيدا، ولدينا من الخبراء والعالمين ببواطن الأمور، من يعرفون هذا الشعب جيدًا وقادرون على ترويضه!