أنور عبد اللطيف
إنقاذ محمد صلاح فى اللحظة الأخيرة !
هل لعب محمد صلاح مباراة مصر ونيجيريا الأولى فى بنغازى؟.. وهل وصف الناقد الرياضى عبدالمنعم فهمى جماهير أفريقية شاهدها فى الأحلام؟ أم أننى أهذى الآن من غرفة الغيبوبة التى كتب منها أديبنا الكبير محمد جبريل حكايته مع المرض ـ رغم أنف الروتين والإهمال ـ فجاءت رائعته «مقصدى البوح لا الشكوى»؟
فما شاهدته بعينى وما قرأته عقب تعادل مصر ونيجيريا فى المباراة الأولى ـ التى أقيمت فى إستاد أحمدو بيلو بولاية كادونا النيجيرية ـ يجعلنى أشعر أن عقلنا الكروى يمر بمرحلة هذيان مابعد البنج، إثر جراحة فى غرفة عمليات بمستشفى حميات العباسية، وهذه الحالة وإن شهدت تحسنا طفيفا بعد نقطة نيجيريا فى المباراة الماضية، فإن حالتنا الكروية الآن فى غرفة الإفاقة، وتحتاج إلى إبعاد المريض عن أى صدمات من نوع قرارات المحكمة الإدارية العليا التى قضت بحل مجلس إدارة اتحاد الكرة، بسبب التزوير الذى تم فى انتخابات الاتحاد عام 2012 أى منذ أربع سنوات، أكرر منذ أربع سنوات، كما قضت نفس المحكمة بصدمة أخرى بتأييد حل مجلس إدارة النادى الأهلى بسبب حكم سابق ببطلان الانتخابات، وتأييد قرار وزير الرياضة بتعيين مجلس جديد ورفض طعن وزير الرياضة ـ أيضا ـ على حكم بطلان الانتخابات التى أجريت فى عام 2014 !
ورغم تمنياتى بفوز منتخبنا اليوم، فلن أنسى ماحدث عقب المباراة الأولى، ووسط أجواء الفرحة بالتعادل مع نيجيريا، فقد أدهشتنى عدة أمور تطيّر العقل وتهدد بانتكاسة, كتلك التى أصابت كاتبنا محمد جبريل وهددته بالشلل حين تحامل على نفسه رغم الجراحة وأراد أن يقوم بدور «أب بديل» فى زواج ابنة أخيه، فكانت النتيجة أنه ظل طريح الفراش حتى الآن، ينتظر تنفيذ قرار وزارى بعلاجه صدر منذ أربع سنوات، كما هى حال منتخبنا، الذى قد تنسيه أحلام اليقظة أنه يعانى «جلطة» جماهيرية تهدد بإعادة عقلنا الكروى الى انتكاسة جديدة، كما يوهمنا بإنجازات كروية بديلة على كف عفريت..كما يغنينا عن مواجهة حقيقية لمشكلات أكثر إلحاحا فى المدارس والمستشفيات والطرق والمرافق الخدمية فنظل فى مكاننا «محلك سر»! ـ أن معظم النقاد صبوا كل غضبهم على حكم المباراة الأولى ووصفه البعض بأنه «فاجر» وآخر بأنه «قابض» وثالث بأنه لا يطبق روح القانون ، والسبب غريب جدا.. لأنه أطلق صافرة النهاية وصلاح منفرد بالمرمى، وكأننا نطلب تطبيق قانون على مقاسنا ولا نريد القانون الذى جعل الحكم هو الميقات الوحيد فى المباراة، وأن من حقه أن ينهى المباراة حتى ولو كانت الكرة فى الهواء، بل نريد قانون تفصيل يلزم الحكم بعدم إنهاء المباراة التى أضاع منتخبنا فيها العديد من الفرص خلال التسعين دقيقة حتى ينهى صلاح هجمته، ولماذا لا نفترض أن الصافرة أنقذت صلاح فى حالة إضاعته للفرصة؟!
كما أدهشنى تصريح نجمنا صلاح نفسه الذى بدا له أنه يرد على الذين انتقدوا الحكم بقوله أنه يحمد الله أن الحكم أنهى المباراة، وأن صافرته أنقذت المباراة من كارثة، لأنه لو أحرز الهدف لدخلت الجماهير التى كانت تجلس على الخط إلى الملعب، وربما اعتدت على الحكم وعرضت اللاعبين والجماهير المصريين لعلقة ساخنة، وهو ما يذكرنا بعصور الفوضى الكروية وأشهرها مباراة بنغازى الشهيرة حين انطلقت الجماهير الجزائرية والتونسية بدخول الملعب والاعتداء على لاعبى مصر وهى العقدة التى ظلت مكتومة من مواجهة الشمال الإفريقى حتى انفجرت دوليا فى مباراة الجزائر الشهيرة، ومحليا فى استاد بور سعيد عام 2012 والتى لا نزال ندفع ثمنها حتى اليوم.
ومع تقديرى الشديد لمحمد صلاح وحرصى على متابعة مسيرته الكروية الحافلة، وتشجيعى لكل الفرق التى لعب لها ابتداء من تشيلسى حتى روما إكراما له وتقديرا لأهميته فى منتخب مصرالآن، مع كل ذلك لم يعجبنى صلاح فى هذا التصريح إذا كان قد قاله فعلا لسببين أولهما: أنه يتعارض مع روح اللاعب الدولى الذى يجب ألا يضع فى اعتباره استفزازات الجماهير ولا يخاف منها ويركز فقط فى الأداء داخل الملعب وهدفه فقط تنفيذ خطة المدرب والفوز بنتيجة المباراة، وليس الخوف أو تمنى انهاء الحكم للمباراة لمجرد الخوف من الجماهير الواقفة على الخط، فهذا هو حال الكرة الأفريقية وهو قدرنا أن تكون هذه الأجواء نقطة انطلاق منتخبنا وأنديتنا نحو البطولات !
أما السبب الثانى ـ فهو ما قاله لى الزميل عبد المنعم فهمى:أن جماهير نيجيريا لقنت الأولتراس المصرى دروسا فى الأخلاق الرياضية والتشجيع المثالى رغم غياب النظام، فقد شاهد اللقاء أكثر من 25 ألف متفرج استمتعوا وهتفوا لمنتخبهم ومنتخبنا, وأن الجمهور إذا أراد أن يجعل من كرة القدم متعة فسيفعل. ورغم الجماهير التى تسلقت الأبراج وأعمدة الانارة لم ينقطع هتافها للفريق المصرى، وأن الجمهور النيجيرى شجع فريقة بحرارة وعندما تعادلنا لم يسب منتخب مصر أو يلٍقى زجاجات المياه الفارغة بل صفق للاعبيه واندفعوا بعد صافرة النهاية لمصافحة لاعبينا.
أكبر نكسة كروية شهدتها مصر كانت عقب النكسة السياسية والعسكرية فى يونيو 76 وتوقف النشاط الرياضى بالكامل سواء بجمهور أو بدونه ولكن بعد سنوات قليلة عادت الجماهير بقوة، وشهدت مصر بعد ثورة يناير عدة نكسات سياسية ورياضية وآخرها حادثة ملعب الدفاع الجوى، ولكن مصر التى تغلب جيشها على النكسة وحولها لنصر كبير واستردت ترابها الغالى كما استعادت عافيتها الآن رغم الإرهاب، هل هى عاجزة عن تجاوز هذه المحنة الكروية الحالية وتعود الجماهير لتشجيع لاعبيها، تماما كما فعلت جماهير النسور مع فريقها, رغم عدم فوز فريقهم على أرضه, فهل نحن عاجزون اليوم على أن نكون مثل نيجيريا ولكن فى وجود النظام وهل لدى أجهزة الأمن الشجاعة لفتح الباب أمام الجماهير المتعطشة لتشجيع مصر وتوفير الجو الدافع لصلاح وزملائه على التهديف .
أظن أننا نستطيع!.