التحرير
دينا توفيق
لأن فقيرًا -بذات مساء- سعى نحو حضن فقيرة!
ومثلما كان صلاح عبد الصبور يعاني الحيرة وتتزاحم برأسه الأسئلة فيسترجع سؤال الحلاج "ماذا أفعل؟".. وجدتنى أردد نفس التساؤل الوحيد عندما تزاحمت على رأسى الأفكار.. وللأسف شعرت بالعجز رغم رغم أننى من أعمق الناس شعورًا بالأمل.. شعرت بالعجز عن أن أفتح ملفات تقودنى لأثبت للناس أن هناك فى هذا البلد من يعملون لمصلحة ناسه وشعبه الذى صار فقيرًا للأسف بناء على مظاهر واقعية حدثنا عنها علماء الاقتصاد والاجتماع منذ زمن استراتيجى وسياسى خطير!

ففى البدء كان الكلام عن ثورة جياع وتنبأ البعض قبل اشتعال الثورة بأن الفقراء سيخرجون من العشوائيات ولن يبقوا أخضر أو يابسا.. ولم يحدث ذلك بعد.
انتبهوا يا سادة إلى أنه لم يحدث ولكن احتمالية الحدوث قائمة، فلا يصرفنكم عن ذلك شىء أو خاطر ساذج يوحى بأن الأمر يمكن تجاوزه فى ظل ما يحدث ويدور فى أنحاء البلاد من شمالها، حيث سيناء والدواعش.. وصولا إلى الجنوب والنيل وسد النهضة..
انتبهوا واسمعوا نداء مبتهجة مسها ضر الحزن النبيل على وطن تكاد تعصف به خيالات الفقر والحكام عليه منصرفون إلى سعيهم بعيدا عن لب الألم واحتماليات ضياع هذا الوطن.. منصرفون بكلياتهم عن حضور الوجع.
وإن كانوا لم يعرفوا بعد فأحِلْهم إلى فيلم "نوارة" لينتبهوا إلى ما أرادت مخرجته العبقرية هالة خليل (التى سأفرد لأجلها مقالا لاحقا) أن توصله لهم بحالة سينمائية عميقة.. ليتهم ينتبهون إليها.. فكما أن الإنسان هو محور إنقاذ الوطن فالفن إن كان صادقا نقيا هو أداة الحاكم للمعرفة.. ولكن هيهات أن يفهم هؤلاء الساسة معنى الإنسان والوطن والفن!





عليهم أن يفهموا أن أوجاع الإنسان، المواطن هى الهم والحَزَن الأكبر الذى يمكن أن يعيق أى إصلاح محتمل يمكن أن يحدث فى مصر.. وأن توفير الحالة الإنسانية (وأصر على كلمة إنسانية) من غذاء وتعليم وصحه تليق به كإنسان هى الفرصة الأخيرة أمام أى حكومة كانت.
رجاء افهموا الرسالة الموجهة مباشرة إلى أى حكومة، فحسب إحصائية لحكومة مبارك أى قبل الثورة أن (44% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر والأدهى أنه وحسب إحصائية للمجلس العسكري آنذاك أن 70% تحت خط الفقر!).
وإننى هنا أحذر الحكومة الآن بملء فمى ومن عمق روحى والفؤاد:
اسمعوا.. تخلوا عن سياسة تركيع الشعب.. هذا أمر وطني وليس رجاء.
أعيدوا للمصرى إنسانيته المنهوبة عن عمد على مدى سنوات طوال على أيدى حكومات متعاقبة كانت مهمتها الرئيسية تماما كما مهمة الجاسوس السوفييتى.. كانت مهمتها فقط تخريب الوطن بوضع الشخص غير المناسب فى وظائف الدولة.
تخلوا عن سياسة إفقار الفلاح المصرى.
ولقد عادت بى ذاكرة الطفولة عندما كنا ندرس فى الجغرافيا والتاريخ وكتب المطالعة أن مصر بلد زراعي.. وفى هذا التوقيت المقيت بالتحديد وعن عمد عدت إلى كلام دار بينى وبين الرجل الذى يُطلق عليه أصدقاؤه، رئيس الشيوعيين فى مصر ويُرشحه كثيرون لنيل جائزة نوبل في الفقر من كثرة ما كتب عن الفقراء والإفقار المُتعمد في هذا الوطن. إننى أعود إلى د.حسنين كشك، صاحب أشهر دراسة عن سياسة إفقار الفلاحين.. ورغم كل دراساته أفكاره العميقة فإنه لم يرجع إليه أحد ليشارك برأيه القيم فى حل أزمات كثيرة لا تزال قائمة ومنها ملاحظته بأن الدراسات عن الفقر فى مصر يجب أن تتحلى بأساليب أخرى غير المنهج الكمى.. وكما قال لى بوضوح منذ خمسة أعوام والوضع لا يزال إلى الآن كما هو "إنها غير كافية لتوضيح خط الفقر وعمقه، فسواء كانت بالحد الأدنى من تكاليف المعيشة للفرد فمن الانتقادات التى توجه لها أنها لا تخبرنا عن خريطة غير الفقراء فى مصر، فهل من يحصل على 750 جنيها ليس فقيرا؟! أو سواء كان التقييم من خلال متوسط نصيبه من الدخل القومى فهو مؤشر حسابى مضلل ونوع من الكذب المنهجى والإخفاء الممنهج للثروة فى مصر، عندما نعلم أن عشرات الآلاف من المليارديرات ممن يحتكرون الثروة فى مصر، والتى تتجسد فى مصانع وبنوك وشركات كبرى للتجارة والمقاولات، ومن بينها تجارة العملات الأجنبية والسلاح والمخدرات وتهريب الأعضاء البشرية، وأيضا كبار مُلاك الأراضى الزراعية، ففى آخر تعداد زراعى رسمى يتضح أن من يمتلكون 5 أفدنة فأكثر يمتلكون 10% من مجموع الحائزين الزراعيين ويسيطرون على أكثر من 52% من الأراضى الزراعية".

أيها السادة لدى الكثير لأستعيده وأدلل به على أن المسكوت عنه فى دهاليز الدولة المصرية متفق عليه، فما يبدو على السطح من غليان ليس إلا مظهرا يخفى ما يجرى داخل "الصندوق الأسود" لمصر.. وعلى ما يبدو لى أن ملفات داخلية كثيرة يستلزم الأمر أن تستمر مغلقة!
وإنه للأسف قد صارت مصر بحرًا من الطلاسم والألغاز وبيت جحا وكلمات متقاطعة لا تبدو أنها تؤدى إلى حل على المدى القريب وفوضى وانفجار فى كل مكان، فبدلا من وضع آليات لحلول منطقية لا يزال المنع والمنح والحبس والتطنيش من سمات المرحلة.

الفقر يشغى ويتغلغل يا أيها السادة.. وللفزع والذعر فإن كشف الفساد المؤدى إليه ليس مهمة أجهزة الدولة المسئولة، الأمر الذى يجعلنى أبكى ألمًا وأنا أجد أن سلاح العزل الخطير يتم استخدامه بعد الحبس والمنع والازدراء وغيرها.. وكما قال أحد النواب فاللى مش حيعجب أى رئيس هيعزله، تعليقا على قرار الرئيس السيسى اليوم بعزل المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات «نحن نحارب من يكشف عن الفساد ويفضح الفاسدين.. تفتكر ليه قرار العزل الآن.. تفتكر إيه علاقته ببرنامج الحكومة الفاشل والذي يدعى محاربة الفساد.. نحن نحارب من يكشف عن الفساد ويفضح الفاسدين، ده أول تطبيق لقانون عزل رؤساء الأجهزة المستقلة، اللي يعينهم الرئيس بعد موافقة برلمان.. لكن من حقه عزلهم منفردًا حتى دون الرجوع للمجلس.. اللى مش حيعجب أى رئيس يعزله.. هذا القانون سيئ، بل وخطير.. ومن ضمن القوانين بقرار التى تم تمريرها.. الموضوع ليس أشخاص الموضوع فى المبدأ".
الصندوق الأسود لمصر فيه الكثير.
وها هو د.نور فرحات يعلق على بيان الداخلية الأخير حول ريجيني «أصبحنا مسخرة العالم» بعد أن قال له أوغنديا «إذا كُنتُم معتادين على خداع شعوبكم فالعالم لا يتقبل من يخدعه، لأن الخديعة تعنى الازدراء».
وأخيرًا فلأن فقيرًا ـبذات مساءـ سعى نحو حضن فقيرة!
عن الفقر والفساد وعن "الصندوق الأسود لمصر" سأظل أكتب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف