أحمد عبد التواب
مجلس النواب على خطى السلحفاة!
لا يزال الرأى العام فى حيرة حتى الآن عمن يكون صاحب قرار حظر بثّ بيان الحكومة على الهواء، الذى قدَّمه المهندس شريف إسماعيل رئيس الوزراء إلى مجلس النواب الأحد الماضى! إذا كان رئيس المجلس هو وحده صاحب القرار، فلماذا صَمَتَ الأعضاءُ على وقف العمل بتقليد مستقر كان التليفزيون والإذاعة عبر سنوات ممتدة يلتزمان فيه بالقيام بهذه المهمة التى تتابعها الجماهير؟
وإذا كان القرار من أغلبية البرلمان، فمتى جرى الأخذ برأيهم؟ وما هو منطقهم؟ ولماذا؟ وأين أصحاب الرأى الرافض لتأجيل إذاعة البيان على الهواء؟ وهل أتيحت لهم الفرصة لإبداء رأيهم؟ وهل سجلت المضبطة حجج المؤيدين والمعارضين؟
ما يزيد الغموض أن أحد النواب تحدث على التليفزيون قبل ساعة من موعد إلقاء البيان، بينما الوضع غامضاً بعد سريان تسريبات عن نية عدم البث، وقال إن الأمر سوف يُعرَض للتصويت على المجلس. فلماذا عدم الإفصاح عن عملية التصويت، إذا كان قد تمّ، حتى يُطلَع الرأى العام على التفاصيل وحتى يعرف الناخبون أداء من اختاروهم لتمثيلهم فى البرلمان، وعلى موقف كل نائب من مسألة حق الرأى العام فى معرفة الأخبار، خاصة تلك التى تمسّ أموراً جوهرية تدخل فى بؤرة اهتماماتهم!
الحقيقة أن الأداء العام لمجلس النواب حتى الآن ليس على المستوى الذى كان يأمله الملايين الذين ذهبوا للتصويت فى الانتخابات البرلمانية، الذين رفضوا الانصياع لدعوات المقاطعة.
كان على المجلس أن يدرك من البداية أن هناك تبعات إضافية على كاهله بسبب حملات التشكيك الهائلة التى طعنت فيه قبل تشكيله، والتى سبقت الأحداث وقطعت بأنه سيكون مجرد شكل صورى، وأنه لن يقوم بدور برلمان حقيقى فى مهمتيه الأساسيتين الخاصتين بالتشريع وبمراقبة السلطة التنفيذية. وكان من المفترض أن يترتب على هذا الإدراك مسؤولية مضاعفة فيما يتعلق بصورته التى يعرضها على الرأى العام والتى تتكون من أدائه الفعلى وليس من التصريحات التى تصدر عن رئيس المجلس وعن الأعضاء التى تؤكد بالقول عن استقلاليته.
لم يُكمل المجلس بعض المؤشرات الإيجابية، فى بداية عمله، والتى كان يمكن للمضى على خطها أن يُصلِح من الصورة المحبطة التى انزعج لها الكثيرون من انطباعات مدرسة المشاغبين فى الجلسات الإجرائية. كان يمكن أن يعمل المجلس على طمأنة الجماهير بأنه أكثر حسماً، بأن يتخذ إجراءات أخرى استكمالية بعد فصله لأحد الأعضاء المعرقلين للعمل، وكان هناك أعضاء آخرون معروفون بالإسم يتعمدون الاستخفاف بكل شيئ والتطاول على كل شيئ، وكان الناس ينتظرون أن تكون البداية بهم، أو على الأقل، إذا كانت البداية بغيرهم، أن تكون هناك إجراءات سريعة تتصدى لأدائهم الاستعراضى السلبى على قيام المجلس بمهامه التى اختارها له الناخبون. ولكن هذا لم يحدث!
صحيح أن رفضَ المجلس لمشروع قانون الخدمة المدنية ترك أثراً إيجابياً، وأعطى مؤشراً مبدئياً باهتمام النواب أن يكونوا مستقلين عن السلطة التنفيذية. بل لقد استفاد الرئيس السيسى شخصياً من قرار الرفض الذى أضعف حجة المهاجمين للمجلس واتهامه بأنه دمية فى يد الرئيس لمجرد استكمال الشكل المطلوب. ولكن هذا الأثر الإيجابى يكاد أن يتبدد من جراء التباطؤ غير المبرر فى قضايا كبرى مُلِحّة.
لم يتضح موقف المجلس من المسائل العالقة قبل تشكيله والتى كان يُنتَظَر أن يحسمها كأولوية أولى، مثل الاتهامات الخطيرة عن انتهاكات لحقوق الإنسان، وعن أرقام للمعتقلين بعشرات الآلاف، وعن التعذيب داخل السجون وأماكن الحجز، وعن اختفاء قسرى..إلخ، وليس بالضرورة أن تكون هذه الاتهامات صحيحة، أو أن تكون غير دقيقة، أو تشوبها مبالغات، ولكن بفرض صحتها، وربما بفرض صحة بعضها، فإنها كافية للإطاحة بالحكومة، وبإحالة عدد كبير من كبار المسؤولين إلى القضاء.
ولم يفتح المجلس ملف الفساد بشكل جدى! بل لقد ترك الأمور تسير وكأنه ليس طرفاً فى الموضوع! خاصة أن التصدى الانفعالى من بعض المسؤولين ضد تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات، الذى قدَّر أصحابه حجم الفساد فى عام بنحو 600 مليار جنيه، خرج عن مجال مواجهة أخطاء فنية فى التقرير، بل وعن مجال الطعن فى نوايا واضعيه، إلى اتهامهم بتعمد تشويه صورة نظام الحكم بتلفيق إلحاق جرائم قديمة للفترة التى تولى فيها الحكم المسؤولية!
وقد بدت هذه المواجهة، بهذه الطريقة، وكأنها دفاع عن الفساد والمفسدين، أو كأنها استنكار للشفافية فى طرح القضية، وليس الكشف عما قيل إنه سوء نية لدى واضعى التقرير.
كان يمكن للجان مجلس النواب أن تكون أكثر سرعة فى حسم الموقف من هذا التقرير، وأن تكون أكثر إدراكاً لأهمية إطلاع الرأى العام بالتفاصيل على وجه السرعة.
أين موقف المجلس من المعلومات الخطيرة المبثوثة بالصوت والصورة والكلمة المطبوعة عن مناهج التعليم فى الأزهر التى تُفرِّخ الإرهابيين والتى تشق الوحدة الوطنية، والتى تمتهن عقائد أصحاب المذاهب الأخرى والديانات الأخرى، والتى لم يُساءَل واضعوها حتى الآن، ولا من أجازوا استمرارها عبر أجيال، ولا من لم يلتزموا بوعودهم فى الإصلاح؟ وهل يقبل المجلس بعد كل هذا أن يستمر نفس هؤلاء المطلوب مساءلتهم على رأس عملهم يناهضون أى إمكانية للإصلاح؟
وأين موقف المجلس من القوانين والإجراءات والمواقف المتعارضة مع الحريات التى يقرها الدستور؟ كيف يقبل المجلس حتى الآن ألا يصدر عنه موقف واضح يؤكد حمايته للدستور من قوانين بالية، لا فكاك من أن تتغير، ومن مواقف تشد البلاد إلى الخلف، وقد رفضها الشعب فى موافقته على دستور يعد بمواجهتها. أين موقف المجلس من حبس الكتاب والأدباء، ومن سجن أطفال فيما يُسمّى ازدراء الأديان؟
ثم، هل الطريقة العصبية التى يدير بها الدكتور على عبد العال هى الأفضل؟ والتى يتساهل فيها بطرد الأعضاء من القاعة؟
لا يكفى القول بأن مجلس النواب الحالى هو الأكثر تنوعاً فى تاريخ البرلمانات المصرية، بما فيه من أقباط وشباب..إلخ، وهى حقيقة لا مجادلة فيها فى كل الأحوال، ولكنها ميزة شكلية، لأن التفوق الحقيقى يكون بالأداء المتميز الذى تتجلى فيه الاستقلالية الفعلية عن السلطة التنفيذية، وبالاهتمام الحقيقى بالرأى العام، الذى لم يؤخَذ فى الاعتبار فى قرار منع بث بيان الحكومة على الهواء.
على أية حال، هناك فرصة أخرى أمام المجلس عند مناقشات بيان الحكومة الأخير الذى غلبت عليه نغمة الإنشاء وعدم التحديد الدقيق للالتزامات وللجداول الزمنية المفتَرَض أن تُنجَز فيها..إلخ إلخ.