الأخبار
الشيخ صالح كامل
كوامل- إنهم يفجرون الإسلام
هكذاأعلن البلجيكيون رفضهم للإسلام وألصقوا تهمة الإرهاب به.. بعد أن أُزهقت في ساحة مطار بروكسل ومحطات المترو (القطارات) أرواحٌ بريئة كانت تستقبل اليوم الثاني والعشرين من مارس 2016 يملؤها الأمل بلقاءِ أحبةٍ وأهل وأصدقاء.. فإذا بهم يغادرون العالم ويفارقون الحياة.. ولن يعودوا أبداً..
مخطيءٌ ومكابرٌ كل من يتخيل أن أحداً من منفذي تلك الهجمات - والتي جاءت بعد نحو أربعة أشهر من هجمات باريس - كانوا من المسلمين المؤمنين بالله ورسوله عليه الصلاة والسلام.. والله تعالي القائل : (أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) سورة المائدة الآية 32، ولا شك أن المقصود بإحياء النفس هو عدم قتلها. وبالتأكيد أن هؤلاء القتلة الذين يدّعون الإسلام ويتسموّن بأسماء المسلمين.. لم يعودوا ابداً ينتمون للإسلام جملةً وتفصيلاً.. فقد نسوا أو أنساهم الشيطان وحزبه قوله تعالي في الآية الثامنة من سورة الممتحنة (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) أي أن الله يحب المنصفين الذين ينصفون الناس، ويعطونهم الحق والعدل من أنفسهم، فيبرّون من برّهم ويحسنون إلي من أحسن إليهم..
سبحان الله.. ألم تُحسِن فرنسا وبلجيكا وغيرها من دول المهجر إستقبال هؤلاء حين أتوا إليها يلتمسون المأكل والمسكن والتعليم والعمل ّ!! يوم عجزت بلدانهم الأصلية عن توفيره لهم ولآبائهم لأسباب عدة ؟!
ألم ينشأ كثير منهم علي الأراضي الأوروبية، وتمتعوا بحقوقهم كاملةً كأهلها الأصليين.. وصاروا مواطنين ووصل بعضٌ من أهلهم إلي مناصب ومراكز عليا.. ألم يتمتعوا بالحرية والمساواة.. رغم اختلاف اللغة والدين والشكل ؟! وهو مالا توفره العديد من بلاد المسلمين للقادم إليها من غير المسلمين !! ألا تُشكل هذه المفارقة وصمة عار في جبين المسلمين الذين لم يتراخ دينهم الحنيف في التأكيد للدنيا أن الإنسان أصله من تراب وأن آدم وحواء هما أبواه !! ألم يَقُل عليه الصلاة والسلام وهو رسول الإنسانية الخاتم المبعوث رحمةً للعالمين ( لا فرق بين عربي ولا عجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوي ).
لشديد الأسف في الغرب يطبّق الناس هذا المفهوم في المساواة.. بينما نحن في بلاد المسلمين نُصنفُ المسلمين فئات وأحزابا ومذاهب وأتباعاً.. ويبدو أننا وهنا تكمن الكارثة.. وقد تحولنا إلي أتباعٍ - إلّا من رحم ربي - لقال فلان وقال علان -ونسينا ما قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام.. وأخذ طواغيت البشر يتحكمون بعقول فئة ضلَّت الطريق إلي الله وأغواهم الشيطان واتخذوه خليلاً وهو لهم العدو المبين.. إنه الطاغوت الأكبر..ويقول تعالي (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَيَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) البقرة الآية 256.. وسبحان الله العلي الحكيم إذ جاء في مقدمة الآية الكريمة (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ). والعروة الوثقي هي الإيمان وهي الإسلام وهي القرآن..
والسؤال الآن : أين علماء الإيمان، أين حكماء الإسلام، أين أهل القرآن ؟! عشرات الهيئات والمنظمات والمجمعات، في بلادنا وفي كل أنحاء العالم تقريباً.. آلاف العلماء ومئات الآلاف من الدارسين والمفكرين وأهل العلم.. في شتي مناحي الحياة وأنواع المعرفة ومجالاتها، الفكرية والفقهية والثقافية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية.. وكلها تضم النخبة المختارة في كل المجالات التراثية والعصرية من جميع أنحاء العالم الإسلامي ومن شتي المذاهب، جعلت لدراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهاداً أصيلاً فاعلاً بهدف تقديم الحلول النابعة من أصل الدين السليم، لكي تقدم لهذه الأمة وبالتالي للعالم الحائر اليوم، الإجابات السليمة عن كل سؤال تطرحه مستجدات الحياة المعاصرة..
مع كل التقدير لهذه النُخب ومع الاحترام لهؤلاء الرجال.. مازال تنظيم الإرهاب يتمدد، ومازال المزيد من شبابنا يفجرون أنفسهم، وهم في الواقع يفجرون الإسلام والمسلمين وكل قيم هذا التراث العظيم..
أين الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ؟!
أين هيئة علماء المسلمين في أوروبا ؟!
وهما من ضمن أهدافهما : خدمة القضايا الإسلامية وتمثيل الأقليات والمجموعات الإسلامية خارج العالم الإسلامي. أين هم من هذه الأقليات التي أصبحت تجمعاتها للأسف حاضنةً يخرج منها الإرهابيون؟ كيف يضحّون بكل هذا الأمان الذي يعيشون فيه وأحباؤهم، عندما تداهمها الشرطة الأوروبية تجد فيها من تبحث عنهم وتجد فيها من أسلحة الدمار والخراب. وحتي ذكرت الشرطة البلجيكية أنها وجدت أسلحة كيماوية.. في أكبر حي للمسلمين في البلاد..
كيف نصدق أن من مهام هذه الاتحادات والهيئات التي تضم علماء وحكماء المسلمين، أن تعالج الأمور المستجدة علي الساحة الأوروبية، بما يحقق مقاصد الشرع ومصالح الخلق، وأنها فعلاً تقوم بترشيد المسلمين في أوروبا عامةً والشباب خاصةً عن طريق نشر المفاهيم الإسلامية بالدعوة وبالحكمة والموعظة الحسنة. لقد حوّل من ينتسبون للإسلام أوروبا بأكملها إلي ساحاتٍ دموية تُرتكب فيها أكبر المجازر البشرية.. وللأسف تحت شعار ما بات يُعرفُ ظلماً بـ « الدولة الإسلامية«.
لقد طالب فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي بتجديد الخطاب الديني، وكأنما، بل هو بالفعل خطاب موجه للأزهر الشريف، القلعة التي حمت الإسلام وحفظته أكثر من ألف عام.. وتجديد الخطاب الذي عناه الرئيس، ليس تغييره ولا تبديله، بل اختيار مفردات وفكر يتلاءم مع روح القرن الحادي والعشرين، وتنقيته من شوائب عكرت صفوها وكذرت صفاه، وجعلته مختلطاً في أذهان الناس.
استمعت إلي خطاب شيخ الأزهر في برلين من داخل البرلمان الألماني « البوند ستاج « وهو يخاطب مسلمي أوروبا : « أنتم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الأوروبي فحافظوا علي تعاليم الإسلام وصورته السمحة. « مؤكداً أنهم يواجهون الآن في كل مكان الأفكار المغلوطة التي تحرّف الدين وتستغله في الدعوة إلي الفتنة العمياء..
والسؤال الذي أسعد بتوجيهه لسماحة شيخ الأزهر: كيف نواجه تلك الفتنة العمياء؟ والجواب بلا شك يبدأ بتنقية المناهج والكتب التي تُدرّس في الأزهر جامعةً ومعاهد، فقد عهِدنا في الأزهر منارة للعلم وساحة للوسطية والاعتدال.. ومن هنا يبدأ تجديد الخطاب الديني الذي طالب به رئيس الجمهورية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف