عباس الطرابيلى
هموم مصرية- دعوة.. للإدمان!
تتعدد أنواع الإدمان.. والكارثة واحدة!
هناك إدمان الحشيش، والأفيون، والبانجو.. وأخطرها البودرة.. وهي مخدرات قديمة وحديثة.. وهناك الترامادول وتوابعه، و«الكُلة» واستنشاق الغاز.. وكان هناك إدمان أدوية الكحة والسعال وكانت هي الأرخص.. وهذه مهدئات خرجت عن دورها الطبيعي.. وهناك إدمان المنبهات، مثل الشاي والقهوة.. أو الاثنين معاً وكان بعض زملائنا يصنعون كوباً نصفه من القهوة ونصفه من الشاي.. حتي تستمر يقظتهم.. ليذاكروا! وعرف المصريون إدمان الجوزة بالمعسل أو بغيره! ثم عرفوا الشيشة بكل أنواعها ومذاقاتها.. والأدهي الآن دخول المرأة، الفتيات صغيرات السن، قبل العجائز من السيدات، دخلن جميعاً عالم إدمان الشيشة.. حتي ولو كانت من مجرد معسل أي تمباك دون أي إضافات.. كما عرفنا إدمان السجائر حتي ولو كانت نظيفة.. فما بالنا بالسيجارة «الملغمة».. ونعرف الآن نوعاً جديداً من الإدمان، هو إدمان المياه الغازية، وياليت أطباءنا وعلماءنا يشرحون للناس مخاطر هذه المشروبات الغازية علي هشاشة العظام وعلي غيرها من أخطار.. ولم أتكلم- مثلاً- عن إدمان الكحوليات وأترك ذلك للواعز الديني الذي يحرم الخمور، كما نعلم نحن المسلمين.
<< ولكنني أتحدث عن إدمان لا يقل خطورة.. وهو أيضاً يصيب العقل البشري.. وأقصد به إدمان الفيس بوك.. وتويتر وتوابعهما وكل الألعاب التي يحملها لنا هذا «المدعوق» الملقب بالمحمول، نقصد الموبايل! وهو مرض يصيب كل الفئات العمرية: من عواجيز، ونساء، وفتيات.. وأيضاً أطفال.
وإذا كان التليفزيون قد أصبح وباء وإدماناً لمن يجلس في البيوت ساعات طويلة.. فإن الوباء الحالي هو وباء المحمول.. فكل من يحمل محمولاً كأنه الآن يحمل في جيبه، أو يده، حزمة متفجرات تدمر كل خلايا العقل والعلاقات الأسرية.
<< والمؤلم هو ما يحدث للأطفال- وللأسف تساهم الأسر في هذه الجريمة عندما تترك الطفل ممسكاً بالمحمول.. وهات يالعب، إما ألعاباً بريئة في الظاهر وهي غير بريئة في حقيقتها، حتي وإن كان هدفها مجرد سحب أموال حاملي الملعون! ولكن الخطورة تكمن في انفصال الأطفال عن كل الأسرة، وعن كل الأقارب.. وأيضاً حتي عن مذاكرتهم أنفسهم.. بل هم يقضون- مع الفيس بوك- أكثر مما يقضون في استذكار دروسهم.. مهما قام الآباء بتذكيرهم.. ولكنه الوباء.
ونتيجة لذلك «تفسخت» العلاقات تماماً داخل الأسرة الواحدة.. حتي إن معظم الأطفال- إذا قاموا بزيارات خارجية للجد أو الجدة- انشغلوا عن المشتاقين إليهم.. بهذا الملعون.. فما هو الحل؟
<< ثم حتي البالغون- والبالغات- من البنين والبنات- مشغولون إما مع اجراء الحوارات أو مع «الشات» عن كل ما حولهم.. ويهمني هنا أكثر تلك الحوارات أو ذلك الشات الذي يحمل وراءه المخاطر العديدة.. وكذلك هنا يكمن دور الأسرة- لحماية أفرادها- هل تسمح للطفل باستمرار حمله للمحمول دون أي رقابة.. وأن تسمح بترك الطفل مع محموله دون أي رقابة أو متابعة، ليس حرصاً فقط علي الأموال.. ولكن علي الأخلاق.
وأغلب الظن أن الأسرة تتحمل الكثير حالياً وربما لا تهتم كثيراً بالأثر النفسي، أو العائلي.. ولكننا نحمل الأسرة المسئولية الكاملة.. حتي وإن كان هذا المحمول «يؤمن» الطفل أو البنت وهي في طريقها للمدرسة أو العودة.. والكارثة إن في مصر الآن أكثر من 100 مليون محمول في الأيدي.. فكم تتحمل الأسرة مالياً لتغطية «شحن» محمول الأطفال.
<< هنا نذكر الجميع، ان معظم شركات المحمول العاملة في مصر ليست مصرية ومن حقها أن تحصل علي عائداتها.. وتحويلها للخارج بالدولار وهذه من أهم «مسارب» تهريب الدولار إلي الخارج.. ويكفي ما يجيء علي المحمول من رسائل تغري المتعاملين بكل الوسائل للتوسع في استخدامات هذا الملعون.
ان مصر مستهدفة مالياً، من تحويلات هذا المحمول إلي الخارج، ونفسياً بما يصيب عقول أطفالنا وبناتنا.. فهل هناك من حل يحمينا من هذا الملعون، نفسياً علي الأقل.. أم نتركه يدمر ما بقي من أخلاقيات تصيب العلاقات الأسرية في مقتل.