الوطن
نشوى الحوفى
تحديات الدولة.. ومحمود فى الجيش الثانى
اضطرتنى الظروف لترك عملى والمسارعة للذهاب إلى مستشفى الحلمية العسكرى بالزيتون لأصل إلى من كان علىّ الاطمئنان عليه بينما رئيس الوزراء يلقى بيانه عن برنامج الحكومة على شاشة التليفزيون. اطمأنّ قلبى على جميع مَن بالغرفة، وجلست بين فراشين لحبيبين من رجال هذا الوطن صامتة أنظر لكليهما داعية فى سرى أن يرزقهما الله الراحة والشفاء.

تصل لسمعى كلمات رئيس الوزراء، وهو يردد ما آل إليه حال الخدمات فى بلادى من صحة وتعليم ونقل وإسكان شاهدنا تدهورها على مر سنوات مضت فى ظل زيادة سكانية لم تخرج عن نطاق 7% من مساحة مصر الكلية، وعدم تطوير أداء ونفقات كانت تحتاجها تلك الخدمات. نعم زيادة سكانية هى الأعلى فى معدلاتها بين دول العالم وتبلغ 2.6% أى أربعة أضعاف الزيادة فى الصين! وتساءلت: هل سنستطيع بالفعل الحد من الزيادة السكانية فتدرك الحكومة أن عليها سن قانون تعلن التزامها فيه بتحمل نفقات طفلين فقط فى التعليم والصحة والسكن والدعم وما زاد عن ذلك فعلى من أنجب تحمله؟ هل سيدرك المشايخ أن المعنى من حديث نبى الله عن التناسل ليباهى بنا الأمم كان الكيف لا الكم وأن الكثرة الفقيرة الجاهلة لا تمتلك مقومات التفاخر؟

عدت لأنظر إلى مَن يرقد على يسارى، محمود طالب مقاتل، رابعة حربية، تخصص مدفعية، أصيب أثناء أدائه تدريباته فى الكلية بشكل تطلّب إجراء جراحة مؤلمة فى يده اليسرى وينتظر إجراء جراحة أخرى. أربت عليه باسمة قائلة له إنه قد أوشك على التخرج وعليه الإسراع للعودة للكلية، يبتسم برضا قائلاً: «بإذن الله ولكن سيتأخر ترتيبى بسبب الإصابة بعد أن كنت فى فريق الكفاءة ولكن الحمد لله». أسأله عن رغباته التى كتبها لمواقع الخدمة التى يريد الالتحاق بها بعد التخرج. فيجيبنى بلا تردد: «لقد كتبت الجيش الثانى فى سيناء أنا وفرقتى كلها». أحبس دمعة فى عينى كى لا يراها ضنا عينى الذى جرّب الألم ويعانى منه ورغم ذلك لم يبال صاحب العشرين من عمره بما يسمع ساعياً لمواجهة التحدى فى سيناء.

أعود لصمتى ويصل لسمعى صوت رئيس الوزراء يواصل بيانه مردداً: «تسعى الحكومة لزيادة معدلات النمو الاقتصادى واستقرارها فى نطاق 5-6٪ بنهاية العام المالى 2017/2018 مما ينعكس بشكل مباشر ومحسوس على رفع معدلات التشغيل وخفض معدلات البطالة إلى نحو 10-11٪ مع نهاية 2018، ورفع معدلات الادخار المحلى تدريجياً لتصل إلى 9-10٪ من الناتج المحلى الإجمالى بدلاً من معدلها الحالى 6%، ورفع معدلات الاستثمار إلى 18-19٪ بحلول 2018. وخفض معدلات العجز بالموازنة العامة والسيطرة على تفاقم الدين العام والنزول بمعدلاته إلى نحو 91-93٪ من الناتج المحلى الإجمالى بنهاية العام المالى 2017/2018 وما بين 80-85٪ فى نهاية العام المالى 2019/2020»..

يقطع متابعتى للبيان دخول ممرضة يسألها محمود عن نتيجة جراحة كانت تُجرى لمصاب عمليات فى العريش قدم للمستشفى منذ ساعات، فتجيبه بهدوء أنه بخير رغم حالته الصعبة وأنه بحاجة للدعاء ليخفف الله عنه الآلام. أسرح فيما يفعله الجدعان فى سيناء من دون صخب ولا ضوضاء ولا إعلان إلا عن أرقام جرحى أو شهداء نعلمهم بين الحين والآخر لنحزن عليهم لحظة سماع الخبر لتعود الحياة بعدها لنفس ملامحها السخيفة بين تراشقات على مواقع التواصل وشاشات التليفزيون، ليبقى من يتألم يتألم دون أن يشعر بآلامه أحد سوى المحيطين به. وتساءلت: متى نعمل كمسئولين فى كافة مواقع المسئولية بنفس منطق جنود هذا الوطن فى صمت وكفاءة وإنكار ذات؟

عدت لأنظر لولدىّ الراقدين بجوارى وأنا أدعو لبلادى أن يرزق حكومتها وشعبها إخلاص النية وصدق العمل لتحيا مصر.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف