محمد جبريل
ع البحري- عبد الحليم حافظ
عندما اعترض الفنان بليغ حمدي علي نسبة اسم عبدالحليم حافظ إلي مدرسة باسم المطرب الراحل. ارتكازا إلي أن الأداء هو مهمة المطرب في تقديم العمل الفني. بصرف النظر عن تميز صوته وتفوقه عموما. فإنه كان يدافع - في الحقيقة - عن طبيعة عمله كفنان خلاق.. وقد يبدو رأي بليغ حمدي - من وجهة نظر موضوعية - أقرب إلي الصواب. وإن كان - بالنسبة لعبد الحليم تحديدا - يحتاج إلي مناقشة: هل كان دور عبد الحليم حافظ هو مجرد الأداء في الأغنيات التي كان يغنيها بصوته؟
كان عبد الحليم صوتا موهوبا.. ولكن: هل تكفي الموهبة لصنع ذلك النجاح المتميز. الذي تمتع به عبدالحليم طيلة حياته؟
اختلفت الآراء في قيمة صوت عبد الحليم.. وكان الإجماع في أنه لم يكن أحلي الأصوات.. وذهبت آراء إلي أن صوت عبد الحليم كان عاديا إلي ابعد الحدود.. يقول الفنان في حديث صحفي: أنا أدرس فني جيدا.. كلمات لها دلالة واضحة. تؤكدها رتيبة الحفني بقولها إن عبد الحليم كان فنانا جادا. يعني بفنه. ولا يستطيع أن يقدم أغنية *سلق بيض*.. الأغنية ليست كلمات فقط. وليست لحنا فقط. وليست كذلك أداء فقط.. إنها مثلث متساوي الأضلاع. يصعب أن يحقق اكتماله وقوته إذا عاني أحد أضلاعه ضعفا ما.. محمد عبد الوهاب يؤكد أن عبد الحليم لم يكن مجرد أداة لتوصيل كلمات المؤلف وألحان الموسيقي إلي المتلقين. وإنما كانت له آراؤه مع الملحنين والمؤلفين الذين غني لهم. وكانت هناك مناقشات دائمة بينه وبينهم وعليهم أن يقنعهم بوجهة نظره. ويقنعوه بوجهة نظرهم.. ويقول عبد الوهاب: *كان احساس عبد الحليم يقوده إلي الاختيار الأحسن لأعماله.. كما سيطر علي أدائه وتصرفاته في كل ما يتعلق بفنه. وكان هذا الإحساس يعطيه دفعات قوية وجرعات كبيرة لتأكيد نجاحه وتفوقه علي جيله.. وكان يستخدم ذكاءه في كل معاملاته الفنية وغير الفنية. فلا يقدم علي عمل ما إلا وذكاؤه يحدد له مساره ومواقع أقدامه*.
إذن. فالقول بأن عبد الحليم كان مؤديا. وإنه لم يكن يمتلك سوي صوته. مردود عليه بأنه كان يمتلك موهبة الاختيار والتذوق.. ولقد كانت المشكلة الأولي في ألحان فريد الأطرش - هذا الذي يمتلك موهبتي التلحين والصوت - أنه لا يدقق في اختيار كلماته. فهو يلحن أي شيء يقدمه له المؤلفون.. أما عبد الحليم. فإنه كان يختار الكلمات بنفسه. ويحذف. ويضيف. ويتابع اللحن بنفسه. ويحذف أيضا ويضيف. ولم تكن قيادته للفرقة الموسيقية إلا استمرارا لمعايشته الكاملة للحن. منذ يبدأ المؤلف في وضع كلماته. حتي يكتمل اللحن في صورته النهائية.. وأذكرك بأن أولي أغنياته الفردية التي غناها من ألحان كمال الطويل. كانت قصيدة الراحل صلاح عبد الصبور *لقاء* التي رفض كمال الطويل - في البداية - اختيار عبد الحليم لها. وطلب منه أن يختار كلمات بسيطة.. لكن عبد الحليم أصر علي اختياره *لأنه كان يفضل أن يركب الصعب*. ونجحت القصيدة الأغنية فعلا.. وقد شهد الطويل - دون أن يطالبه أحد بتلك الشهادة - أن عبد الحليم أسهم بدور مؤكد في صياغة ألحانه *لأنه كان يشارك بروحه في إخراجها قبل أن يغنيها. فكثيرا ما يقترح أثناء التلحين نغمة جميلة تكسب اللحن روعة وحلاوة*.. وفيما عدا استثناءات قليلة - أم كلثوم مثلا - فإن الملحن هو الذي يختار مؤلفي الكلمات. وواضعي الألحان في حد سواء.. وكان يناقش المؤلف. ويشير بتعديلات يري أنها تساعد علي اكتمال الأغنية.. وكان بوسع عبد الحليم أن يتجه إلي التلحين. ومن المؤكد أن ثقافته الموسيقية كانت ستعينه علي أداء دور الملحن إذا أراد. لكنه قصر دوره علي الغناء. دون أن يجاوز ذلك إلي التلحين.. ولا يخلو من دلالة. حرص عبد الحليم أن يقود الفرقة الموسيقية بنفسه.