جمال زهران
عزل رئيس جهاز المحاسبات: القرار.. والتداعيات
من كثرة ما فاض، وطفح بي الكيل، أن كتبت مقالا في هذا المكان في 13/21/5102م بعنوان: وقفة ضرورية مع رئيس جهاز
المحاسبات، وفصلت به أسباب مطالبتي بعزل هذا الرجل في ضوء تجاوزاته، واعتبر نفسه فوق القوانين وأن لا أحد يقدر علي عزله حتي رئيس الجمهورية، وأنه محصن بقوة قانون الجهاز، ويطلق الصواريخ بين يوم وآخر، لتبيان أنه حامي أموال الشعب وأن من يعادونه جميعا «فاسدون» كما جاء علي لسانه ولسان محاميه الشخصي، الذي تعقبني في الجامعة ليرصد كم يوما أذهب إلي الجامعة، وكم ساعة أقوم بها في التدريس، وهو لا يعي ولا يدرك حقيقة العمل الجامعي بل يجهله بالفعل. فالعمل الجامعي يعيش مع الشخص ليل نهار فكرا وممارسة، فهل أستطيع أن أقرأ رسالة علمية في مكتبي بالجامعة؟! أم أقرأها في مكتبي بالمنزل؟! هل أكتب وأعدل كتبي الجامعية في داخل الجامعة أم في مكتبات البحث وأروقة مكتبي الخاص؟! أليس هذا وقتا مخصصا للعمل الجامعي؟! وقد أصبح من لا يفهمون يزعمون الفهم علي خلفية التنكيل بالأشخاص الذين يفتحون الملفات المغلقة؟!
والأسوأ في تقديري وطبقا لما هو مستقر عليه في أدبيات العمل العام، أن الذين يعتلون المناصب الكبري عليهم أن يكونوا واسعي الصدر ويتسمون بالرحابة وسعة الأفق وقبول النقد بابتسامة والتفاعل مع كل رأي مؤيد أو مخالف للاستفادة به في تحقيق الصالح العام، أما من يتخذ من أصحاب الرأي المخالف والناقد للأداء، سبيلا للتشفي والتنكيل وانزال العقاب والملاحقة الشخصية، فهو شخص لا يصلح للعمل العام ولا تولي مناصب عليا، وفي هذا يمكن الحديث فيما بعد عن مواصفات هؤلاء وهؤلاء. ولقد أحسن السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بأن أعمل سلطته وأصدر قراره مساء يوم الاثنين 82 مارس 6102م، بعزل السيد/ هشام جنينة من رئاسة الجهاز المركزي للمحاسبات وفقا للقانون رقم 98 لسنة 5102 الذي يخول له هذا الحق اعمالا لنص الدستور (مادة 612). وأي جدل خارج هذا السياق هو جدل بيزنطي ويكشف الولاءات وشبكات المصالح من وراء استمرار هذا الرجل الذي شوه صورة مصر، وجعلها بلا شرفاء، سواه. وقد وجهت له ومعي نفر من المخلصين الشرفاء في الجهاز اتهامات خطيرة في دعوي مازالت منظورة أمام مجلس الدولة ومحالة للمفوضية لكتابة تقرير طالبنا فيها بعزل هذا الرجل، ومن بين الاتهامات الخيانة العظمي، حيث قام بإعداد مشروع قانون جديد للجهاز وأرسله للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي من وراء ظهر الدولة والخطابات المتبادلة لدينا وقدمناها للمحكمة وغير ذلك من مستندات.
كما أنه دعم البعض داخل الجهاز، وأعطاهم ترقيات في حين كانوا في اعتصام رابعة مع الإخوان. وفي الأخير فقد أطلق صاروخ 006 مليار جنيه فساد في عام واحد للتشهير وليكون مادة اعلامية علي منصات الاخوان داخل مصر وخارجها. ومن معلوماتي أن الاخوان بدأوا يعدونه للترشح علي منصب رئيس الدولة القادم، ولذلك كان مصرا علي عدم الاستقالة نهائيا، حتي أنه طلب منه ذلك ورفض، ثم قال في أحد تصريحاته الاعلامية (فرقعات) بأنه قدم استقالته للرئيس أكثر من مرة، والرئيس يرفض.
المهم الآن، صدر قرار الرئيس بعزله، وتولي النائب الأول مؤقتا لحين صدور قرار جمهوري بذلك أو ترشيح شخص آخر، وأميل إلي الخيار الأخير، لكثرة الحديث عن النائب الحالي في شبكات التواصل الاجتماعي يحمل لغطا شديدا. كما أنه يجب النظر إلي ضرورة محاصرة التفسيرات المحملة بالغل والأحقاد لثورتي 52 يناير 1102م، 03 يونيو. حيث فسر البعض عزل هذا الرجل، حماية للفساد والفاسدين، واجهاضا للثورتين، وتمكينا لرجال أعمال مبارك واطلاق يدهم في الدولة، حيث كان هشام جنينة هو الكاشف لكل ذلك، وكأن الجهاز بدأ يعمل منذ أن تولي جنينة رئاسته، وهو قول مغلوط. فتقارير الجهاز موجودة قبل هشام جنينة، وستظل بعده، لأنه جهاز مؤسسي وليس جهازا شخصيا. إلا أن جنينة حاول أن يكون هو والجهاز ومكافحة الفساد في شيء واحد.
وهنا فإن علي الجهاز قبول التحدي، ونشر تقاريره السابقة والحالية والقادمة أمام الرأي العام والشعب المصري ليكون شريكا في الرقابة. وأعترف بأن أغلب استجواباتي كانت مؤسسة علي تقارير الجهاز التي كنت أعثر عليها من أيدي الشرفاء وليس من رئيسه جودت الملط آنذاك الذي رفض اعطائي أي تقرير طلبته إلا بعد موافقة رئيس مجلس الشعب (فتحي سرور) الذي رفض بطبيعة الحال. وكذلك فإن تطهير الجهاز من جماعة الاخوان مسئولية عاجلة استكمالا لتطهيره من شخص رئيسه، واعادة الهدوء للجهاز والعاملين فيه وإنصاف المظلومين في عهد جنينة الذين وحكم القضاء لصالحهم. ليستمر عمل الجهاز مؤسسيا في حماية أموال الشعب المصري، وتحية للجهاز والعاملين فيه، وللحوار بقية، ومازال الحوار متصلا.