صباح الخير
منير عامر
عبدالحليم.. عن الحلم والانكسار والانتصار
ما بين عبدالحليم حافظ ومجلة صباح الخير أكثر من حكاية، حكاية إصرار صباح الخير على رعاية الفن الكاشف لدفء عاطفة هذا المجتمع، بالإضافة إلى أن مجد عبدالحليم كمطرب لثورة 23 يوليو خرج من عبقرية صلاح جاهين ابن صباح الخير، ومر منذ بداية صعوده السينمائى على جسر رواية إحسان عبدالقدوس «الوسادة الخالية» بل اختار نهايته بعد مئات القبلات بينه وبين نادية لطفى فى «أبى فوق الشجرة» وكان جسر إبداع الحوار الحالم هو قلم المصور العبقرى يوسف فرنسيس الذى عشق صباح الخير فى كل أيام عمره حتى تزوج من إحدى نواراتها وهى زميلتنا منى سراج.

لكن ماذا عن مذكراته التى أصر على أن يكتبها كاتب هذه السطور، وهو من ظل يطلب منى البدء فى كتابتها منذ لقانا فى يناير 1964 بمنزل السفير جمال منصور بباريس، وكثيرا ما قلت له «أنت صديق كبار كتاب زماننا فى المجال الفنى فعندك جليل البندارى سيد صفحات الفن بأخبار اليوم، وكمال الملاخ مؤسس فن قراءة الأهرام من صفحته الأخيرة، وفوميل لبيب صاحب القلم ذى السلطان بالمصور.. و.. وأخذت أعدد له من الأقلام التى تربطه بها صداقة، لكنه بابتسامة من يثق فيمن سانده من بداياته، ابتسامة الثقة فى فتحى غانم رئيس التحرير الثانى لصباح الخير الذى أدين له أمام كل من يأتى بذكره، قال عبدالحليم لن يكتب مذكراتى إلا أنت.
وبدأنا فور عودتنا إلى القاهرة فى جلسات طويلة، وعلى فترات متقاربة أحيانا ومتباعدة فى أحيان أخرى.
ثم جاء يوليو1964 لتنفجر أزمة بينه وبين أم كلثوم التى أصرت أم كلثوم على الإطالة فى الغناء لأغنيتها «إنت عمري»؛ التى تعتبر أول لقاء لها مع محمد عبدالوهاب؛ مما جعل ظهور عبدالحليم على مسرح الجلاء أمام جمال عبدالناصر يتعطل لقرب الفجر. ضجر عبدالحليم ليلتها من نفسه، فهو من قال لها ولمحمد عبدالوهاب عندما دعاهم جمال عبدالناصر للعشاء معه فى ليلة 23 يوليو عام 1963 وانسحب عبدالحليم من لسانه وهو على العشاء ليقول لعبدالناصر «مش معقول يبقى فى القاهرة أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب ولا يلحن موسيقار الأجيال لأم كلثوم». اكفهر وجه الاثنين عبدالوهاب وأم كلثوم، فهما نقيضان يحرص كل كائن منهما على تطبيق مبدأ «يا نحلة لا تقرصينى ولا أنا عايز عسلك». وقال عبدالناصر «لو الفن بيتعمل بقرارات جمهورية كنت أصدرت هذا القرار»، فنطق عبدالوهاب «اعتبر القرار صدر يا أفندم». ومضت شهور لتشدو أم كلثوم بأول لحن يقدمه لها عبدالوهاب فى «إنت عمري» التى سمعناها - عبدالحليم وأنا ضمن شلة أصدقاء فى منزل السكرتير الثانى بسفارتنا بباريس عماد البط.
لكن ما أن جاء يوليو حتى أقيم حفل 23 يوليو بنادى الجلاء فى الزمالك وأطالت أم كلثوم فى «إنت عمري» فقال عبدالحليم لنفسه «أنا اللى عملته فى نفسى، فلو لم أقل فكرة تلحين عبدالوهاب لها لما تعمدت عقابى بالتطويل الزائد عن الحد». عاتبها عبدالحليم على الهواء، فأصرت ألا يغنى معها فى حفل 23 يوليو 1965 ووافقها عبدالحكيم عامر نائب الرئيس، ولكن جمال عبدالناصر أصر على أن يغنى عبدالحليم أغنيته «يا أهلا بالمعارك» فى حفل أقيم بسينما راديو بالإسكندرية فى السادس والعشرين من يوليو.
وقد عاصرت تلك المعركة التى رأيت فيها عبدالحليم حافظ يحدث شمس بدران مدير مكتب عبدالحكيم عامر ويقول «ورحمة أمى ح أسيب الغنا وأشترى تاكس وأستنى القرشانة دى وهى خارجة من بيتها وأدهسها». طبعا لم أسمع رد شمس بدران لكنى رأيت عبدالحليم وهو يذهب مطلوبا إلى مكتب المشير عبدالحكيم عامر ويعود مدحورا، مفروضا عليه ألا يغنى على مسرح الجلاء أمام جمال عبدالناصر، بل يحضر العشاء ويعتذر لأم كلثوم . وكانت ليلة من أصعب ليالى عبدالحليم حافظ على الإطلاق، لكن جمال عبدالناصر الذى أحب أم كلثوم واعتبر عبدالحليم هو مطرب ثورة 23 يوليو قرر تكريمه بإقامة حفل خاص بسينما راديو بالإسكندرية ليغنى فيها «يا أهلا بالمعارك».
ولكن عام 1966 يأتى ويكون رئيس وزراء مصر فى ذلك الوقت هو زكريا محيى الدين، عضو مجلس قيادة الثورة ومؤسس فكرة أمن 23 يوليو منذ الليلة الأولى لها، وهو الصارم بغير حد، وكان خروج جنيه واحد خارج مصر دون إذن شخصى منه أو من جمال عبدالناصر هو الأمر الصعب، فمن يعمل بتهريب النقد هو من يسرق وكأنه يسرق طوبة من السد العالى الذى يجرى بناؤه أو يعطل تشغيل آلة جديدة فى مصنع؛ أو يقول لشركة الجمهورية لاستيراد الدواء «لا توجد عملة صعبة لألبان الأطفال». زكريا محيى الدين هو واحد من أهم بناة الاقتصاد فى مصر ولا يخافه سوى شخص واحد يترصده لأنه يعلم كفاءته، الشخص هو شمس بدران مدير مكتب المشير عبدالحكيم عامر. فزكريا هو من قرأ خريطة أطماع الرجل التى تبدأ من جمع كل سلطات جمال عبدالناصر فى يد عبدالحكيم عامر، وشمس بدران هو المتحكم فى عبدالحكيم عامر هذا الرجل الطيب الذى إن رآك وقلت له مثلا «الساعة التى فى يدك جميلة» سيخلع الساعة ويعطيها لك، ولأنه يخشى أى فعل فى الحرام لذلك عقد قرانه على الممثلة التى أحبها برلنتى عبدالحميد. باختصار كان الحفر فى الأرض التى يقف عليها زكريا محيى الدين هو المطلب الأساسى لمن كان يرغب فى منصب «رئيس الجمهورية»، وكان هذا حلم شمس بدران الشخصى. ولا أحد بقادر على كشف خريطة أحلام شمس بدران سوى «رادار الأمن» المسمى زكريا محيى الدين، الذى جعله عبدالناصر رئيسا للوزراء. واكتشف زكريا محيى الدين أن عبدالحليم حافظ يقوم بإمداد بعض من العائلات التى خرجت من مصر ببعض من ريع أموالها؛ فالعائلة إن كان لها مندوب عنها بالقاهرة تذهب بالمال لعبدالحليم وهو صاحب شركة طباعة إسطوانات فى قبرص. وهو يحول لمن أخذ نقودا تخصه بالقاهرة لتصبح جنيهات إسترلينية.
وبعد ضبط القضية لم يكن من السهل القبض على عبدالحليم حافظ، لذلك اكتفى زكريا محيى الدين بإبلاغه بضرورة التوقف عما يفعل. وأصدر أوامره للإذاعة أن تقلل من أغانيه تمهيدا لإزاحته من عرش الطرب. وكاد عبدالحليم أن يجن، فكيف يتم تحجيم أغانيه.
وكنت فى ذلك الوقت منهمكا فى كتابة مذكراته، لكن ما أن عرضت الفكرة على الكاتب أحمد حمروش رئيس تحرير روز اليوسف، حتى ضحك وهو يعيد لى الأوراق التى كتبتها، قال «تعلم أن الجنيه الاسترلينى هو العملة التى ترقص لها فتارين شارع الشواربى. وعندما تنتهى التحقيقات فى قضية تهريب النقود المتهم فيها عبدالحليم سنفكر فى نشر مذكراته». قلت لأحمد حمروش بحكم ما بيننا من صداقة «أنت تعلم أن شارع الشواربى يأتى ببضائعه عن طريق مضيفى الطيران، وعن سفريات صديقات بعض من المسئولين. وأظنك كنت معى عند شعراوى جمعة فى يوم توليه منصب وزير الداخلية، وأخبرنا عن مسلسل السيدات اللاتى لهن علاقات من بعض المسئولين وهن من يأتين بتلك البضائع ولا يملك عبدالحليم حافظ قدرة على تمويل شارع الشواربى بالاسترلينى الراقص فى شارع الشواربى عبر فتارينه». ضحك أحمد حمروش. وبعد الظهر كان لى زيارة لعبدالحليم حافظ الذى كان يشكو لطوب الأرض من قلة إذاعة أغانيه. وهى الصدفة وحدها التى جعلتنى أرى المشهد الغريب، وهو جرس التيلفون الذى دق بجانب سرير عبدالحليم، وبعد أن وقف عبدالحليم على سريره نطق «أهلا يا سيادة الريس». أيقنت أن عبدالناصر كان على الطرف الآخر.
وقال عبدالحليم «أمر الريس عبدالناصر بأن تذاع الأغانى الخاصة بى كما كانت تذاع من قبل». ومضى عبدالحليم إلى غرفة ملابسه وهو يقول «لابد أن أذهب إلى شمس بدران كى أشكره، فقد شكوت له ندرة إذاعة أغنياتى بالإذاعة» ودق التيلفون مرة أخرى ليكون عبدالقادر حاتم مسئول الإعلام فى ذلك الوقت، ليبلغ عبدالحليم بأن جمال عبدالناصر قال «ليس من المعقول أن يسمع صوت المطرب المعبر عن الثورة من إذاعة إسرائيل».
طبعا عندما أكتب تلك الحكاية أضحك من قلبى على الطرق التى صارت مفتوحة لخروج ودخول الملايين والمليارات من وإلى مصر، فقد صارت سوقا مباحا لا لتهريب العملات فقط ولكن لوصول حالة الترهل إلى هذا المستوى الذى وصلت إليه قبل قيام ثورتى الخامس والعشرين يناير والثلاثين من يونيو. فقديما كان الجنيه الاسترلينى هو عملة التهريب، وحديثا بعد أن منح السادات الولايات المتحدة 99 بالمائة من أوراق إدارة الحياة وسار مبارك على دربه، صار الدولار هو الجسر الذى يسير عليه ترهلنا المعاصر.
لم يفت عبدالحليم لحظة من الشك فى أن أم كلثوم هى صاحبة المقلب الذى كاد أن ينزعه عن عرشه.
سألنى عبدالحليم عن سر عدم قبول أم كلثوم له. قلت: أجيبك بشرط ألا تغضب مني؟
قال: قول يا سيدي
قلت: هى الوحيدة التى تعلم تماما أنك تنافسها فى قلوب من يحبون السماع، فهى عندما تغنى لا يصلك صوتها إلى أذنيك بل ينبع صوتها من قلبك. وأنت أيضا عندما تغنى ينبع صوتك من قلب من يسمعك. فكلاكما يزيل الجدار بين ما يؤديه وبين مشاعر المستمع.
قال عبدالحليم: لهذا تقف تلك العجوزة ضدى.
قلت: هناك نوع من الأداء الفنى يسقط به حاجز العمر بين صوت المطرب وقلب المستمع والمثال من فرنسا «إديث بيف».
قال: أنت من تعلم أنى جلست خلف كل الموسيقيين فى أغلب بروفات أم كلثوم عندما كانت تجرى بروفات أغانيها فى الإذاعة، وكنت عازف للأبوا. وكنت أحضر بروفات محمد عبدالوهاب. ولم أترك بروفة لأى مطرب حتى عبدالعزيز محمود فى معهد الموسيقى العربية.
ولم يفت عبدالحليم فرصة معرفته لصداقتى مع عبدالرحمن الأبنودى، فطلب منى أن أصحبه معى لزيارته. ضحكت لعبدالحليم ولاحظ نبرة سخرية فى ضحكتى، سألني: هل من الصعب أن يزورنى معك؟ قلت: أنت لا تعلم من هو عبدالرحمن الأبنودى. أنت تذكر ما رويته لى عن كبريائك يوم دققت باب فيللا عبدالوهاب بالإسكندرية طالبا منه أن يسمعك فأخرج من جيبه بضعة جنيهات ليقدمها لك لا إعجابا بصوتك، بل إعجابا بموسيقى «صافينى مرة» وكان يريد اصطياد محمد الموجى ليضبط له وصلات أغانيه. وتذكر أنك رفضت نقود عبدالوهاب رغم إفلاسك. عبدالرحمن الأبنودى لن يأتى إليك معى ما لم تذهب أنت إليه.
ورسم عبدالحليم خطة إرسال اثنين من أصحاب البنيان الضخم ليصحبا عبدالرحمن من أحد الاستديوهات. وفى سيارة عبدالحليم وصل الثلاثة إلى بيت عبدالحليم فظن عبدالرحمن أنه ذاهب إلى قسم مكافحة الشيوعية ليسألوه عن أفكاره اليسارية. وتحرك المصعد بالثلاثة ليفتح لهم عبدالرحيم سفرجى عبدالحليم الباب. وليستقبله عبدالحليم بالأحضان، وليبدأ التعاون بين الاثنين. وليرسم عبدالحليم خطة ثانية يلتقط بها بليغ حمدى من محمد رشدى وهو المطرب الذى كادت أغانيه تنافس عبدالحليم فى خطابات ما يطلبه المسمعون بالإذاعة. وقد نجح عبدالحليم فى ذلك.
وطبعا وقعت هزيمة يونيو ليجد عبدالحليم نفسه هو المطرب الذى غنى لانتصار لم يتحقق. وكان يعلم أن الملك الحسن الثانى ملك المغرب غاضب منه، نتيجة أكثر من وشاية من مطربين آخرين فكتب له خطابا يطلب فيه اللقاء والمحاسبة إن كان قد أخطأ فى حقه. وتأتيه الدعوة لزيارة المغرب ليكتشف أن إبعاده عن الإذاعة المغربية كان ابن وشاية.
وتحول يوليو الذى كانت تضيئه أغنيات عبدالحليم لثورة يوليو إلى شهر يسافر فيه عبدالحليم إلى المغرب ليغنى فى أعياد ميلاد أبناء الملك الحسن.
ومنذ ذلك الوقت صار عبدالحليم فى رعاية الحسن الثانى ولم يعد ينزل فى رحلاته إلى باريس إلا فى فنادق الخمس نجوم على نفقة الحسن الثانى ملك المغرب.
••
ولحظة مفارقة عبدالناصر للحياة فى سبتمبر 1970كان النزيف قد انفجر فى دوالى المريء فوق معدة عبدالحليم. وكان عبدالحليم يقضى بعضا من أيام الصيف بالعجمى السكندرى.
وكان طبيبه الخاص هشام عيسى فى حالة طوارئ كطبيب ضابط بالقوات المسلحة، ولم يكن أمام المرافقين لعبدالحليم من حل سوى نقله إلى مستشفى المواساة بالإسكندريةـ ويخطئ الطبيب الذى استقبله فينقل له دما ملوثا بالصفراء التى بدأت رحلتها فى مزيد من التدهور الصحى.
ولكن ذلك لم يمنع عبدالحليم من مواصلة البروفات وإعداد الأغنيات والدخول فى مغامرات عاطفية تبدو لمن يشهدها من الخارج أنها جادة. لكن لا ينطبق على أى منها أى ملمح من جدية.
وحتى القصة المشهورة عن سعاد حسنى وقصة حبهما، حتى هذه القصة لم تكن لتستمر.
أذكر أنى ذهبت أشكره على صندوق به ما لا يقل عن خمسين زجاجة مضاد حيوى أرسله لى على مكتبى بصباح الخير حين كتبت أشكو غياب هذا المضاد الحيويى الوحيد الصالح لابنى شريف وكان عمره شهور.
صعدت اسانسير منزل عبدالحليم ومعى غادة حسناء يفوق جمالها كل الصور التى تنشر لها، وهى سعاد حسنى.
ضحكت لها فتذكرت زيارتى لها مع عبدالحليم فى أغسطس 1965 حين ذهبت مع عبدالحليم لتعزيتها فى وفاة شقيقتها صباح. قالت ونحن فى الأسانسير «أظن أنت دلوقت عارف إنك راكب الأسانسير مع سعاد حسني». فاحمر وجهى خجلا، لأنها لم تنس أنى صعدت فى الزيارة الوحيدة لها فى أغسطس 1965 وكنت قد صعدت السلم مسرعا سابقا عبدالحليم الذى كان يصعد بهدوء، فلم يكن هناك أسانسير أو لعله كان معطلا. وعندما ضغطت بإصبعى على جرس الباب فتحت لى فتاة بلا حواجب أو رموش، وتربط شعرها بمنديل رأس كبنات الأحياء الشعبية، فقلت لها «قولى لستك سعاد أن منير عامر وعبدالحليم جايين يزوروك». قالت البنت التى لا حواجب ولا رموش لها «أنت مش عارفني؟ أنا سعاد». خجلت من نفسى لحظتها، وخجلت عندما ذكرتنى بتلك الحكاية عام 1971.
وفى تلك الزيارة بدأت مع عبدالحليم فى إحياء فكرة مذكراته، ليأخذ الأمر شكلا أكثر جدية مما جرى عام 1966.
وحين أخبرت العم الفنان حسن فؤاد بتلك الحكاية، قرر زيارة عبدالحليم بصحبة كل من أستاذنا لويس جريس والعم الفنان جمال كامل. واستعرض البعض أسماء من يمكنهم كتابة المذكرات وكان عبدالحليم حاسما قاطعا، فى أنه هو من عرض على شخصى تلك الفكرة فى يناير 1964 وأننى طوال الوقت أزوره كل فترة لأسمع منه وأسجل ما يرويه، فضلا عن أنه رأى أن د.أحمد عكاشة قد نصحه بأن يروى كل شيء. وأنى سأنشر ما يريد نشره دون ضغط عليه، ومالا يوافق على نشره لن أنشره.
وكان عبدالحليم أكثر جراءة من أى كائن بشرى عندما قال لى «اكتب صورتى كما أحب أن أظهرها لتكون فى صباح الخير»، وعندما أرحل يصبح من حقك أن تكتب كل ما تعرفه. قلت له «لا أحد فينا يعلم متى يرحل فلماذا هذا الكلام؟ فأمسك بورقة وكتب فيها أن مذكراته هى ملك لى وهو يودع تلك الورقة فى الدار التى شجعته ورعته من البداية دار روزاليوسف، وأنه أوصانى بكتابة كل ما أعرفه.
وعندما رحل عن الدنيا كان أستاذنا لويس جريس كريما معى فسجل قصة تلك الوثيقة فى مقدمة مذكرات عبدالحليم التى نشرتها صباح الخير.
••
ومع عبدالحليم كانت لى أيام من صدق مصفى له عطر مازال يملا ذاكرتى شجنا؛ ومازال صوته يصدر قرارا بإلغاء غيابه القهرى بالموت، ومازال يولد مع كل قصة حب ترى النور من المحيط إلى الخليج.•
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف