المساء
نبيل فكرى
مساء الأمل .. الموتي لا يعودون
في محاولة لفهم الحالة المصرية الآنية. والاجابة عن سؤال: هل تعود الروح. لم أجد أمامي سوي أن أعود لأقرأ من جديد رواية "عودة الروح" للمبدع والحكيم. توفيق الحكيم.. حالنا يشبه كثيراً حال تلك الأسرة.. ننام مرضي في غرفة واحدة. أو نسير مرضي.. لايهم.. الواقع أننا مرضي بمن فينا الأطباء والممرضون.. نبدو. وكأنه لا أحد بيننا صحيحاً بامكاننا علي الأقل ان نعول عليه في احضار العلاج.. حتي "سنية" حلم الجميع في عودة الروح.. هي مريضة أو ماتت.. لا يهم.
الشارع يعيش حالة متفردة من العبث والفوضي. ويبدو أنه لا أحد يريد أن يفيق.. حتي العبث بالامكان أن نجيده بعد اعتياده.. لكن عبثنا هذه الأيام بات لا يطاق.. "مابنفصلش".. عبث مخلوط بجنون وبلطجة وقلة ذوق وفساد يزكم الأنوف.
منذ أيام. حدثني مسئول عن مسئول سبقه أنه أجري مزايدة وهمية لبيع أشياء وهمية للهيئة التي يعمل بها. ولما تم البيع وربح ما ربح ناراً ورشوة وسحتا. تقدم لكبير الهيئة أو الجهة يطلب مكافأة للجنة التي تولت أمر هذه "السرقة" تقديرا لجهودها الألمعية. وقد كان. وحصلت اللجنة علي المكافأة.
لم يعد الحديث عن الفساد وعن العبث في مواسم دون أخري.. انها حكايات متكررة ودائمة. والغريب أنه لا تبدو هناك رغبة لدي أحد في أن يصحو من هذا الكابوس المزعج.. نحن ننام في الكابوس مبتسمين. ولذا أخشي أن الروح التي استعادتها أسرة "توفيق الحكيم" ليست كالروح التي تتلبسنا اليوم.. المرض في روحنا شديد. ونحن لا نريد العلاج.
كثير مما أصابنا. يتحمله النخبة.. أولئك الخبراء الذين يطلون علينا في كل المناسبات.. الواقفون عند المصائب لتحليلها وتشريحها... لنفاجأ بسيل من "الافتكاسات" والتنبؤات و"الكلام الفاضي" وكأن كل واحد من أولئك الجهابذة هو العالم ببواطن الأمور.. يشخصون داء البلد وكأنهم يتحدثون عن منتخب الكرة. وانتقلت العدوي إلي الشارع فتنوعت الشاشات وكثر الجهابذة. وأصبحنا نتكلم وفقط.. الكل يتكلم ولا حدود للمعرفة ولا منتهي للنقاش.. الكل علي صواب. والوطن هو من يدفع الثمن.
الروح قد تعود لكن الموتي لا يعودون. وأخشي أن البعض بينناوهم كثيرون قد ماتوا ويصرون أن يأخذونا معهم في قبورهم.. يجرون الوطن إلي متاهات من الجدل العقيم والشعارات البالية وتبحث عما يعملون فلا تستطيع ان تحدد لأحدهم عملا يضيف إلي البلد شيئا وللأسف يتربحون كثيرا من تجارتهم التي لا تشكو أبدا الكساد.
كثير مما يحدث وما يقال مفروض علينا فرضا بدواعي الحرية التي كفلها الدستور وحقوق الانسان وغيرها من الشعارات التي مطلوب منا نحن فقط ان نطبقها دون ان نسأل عن حدودها ووجودها لدي "المصدرين" الذين استوردناها منهم نحن فقط الذين علينا أن نسير وعلي رؤوسنا بطحة نتحسسها كل وقت فالعالم يرانا. وما يحدث عندنا لابد ان نفسره وان نبرره وان ندافع عنه.
حادثة الطائرة الأخيرة علي سبيل المثال كانت عنوانا كبيرا لانضباط غير مسبوق.. كانت تدريبا اجتزناه ببراعة رغم قسوة التجربة.. شاهدنا العالم ونحن عفويون.. تصرفنا مثلما يقول الكتاب فتشنا الخاطف. وتعاملنا مع الأزمة وفق القوانين الدولية ومرت الأمور بسلام لكن الكثيرين منا استبقوا الأحداث بالويل والثبور وعظائم الأمور دون انتظار الحقيقة مثلما يفعلون دائما.. هم أقرب إلي الشك في وطنهم منهم إلي اليقين.. هم أحوج إلي الصخب منهم إلي السكينة.. هم تواقون للمصائب أكثر من النجاح.
حفظ الله مصر. وأعان رئيسها عبدالفتاح السيسي علي المضي بها إلي بر الأمان ورزقه ممن حوله برجال ينتصرون للوطن ولا شئ غيره.. رجال يحبون مصر ويموتون من أجلها.
** ما قبل الصباح:
ـ الفاسد ليس فقط من يسرق .. العجز فساد والغباء فساد
والمتاجرة بالوطن "إفساد في الأرض".
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف