يأخذنا الإعجاب - وربما الحسرة - لسهولة الانتقال بين بلدان أوروبا. ونجد في العملة الموحدة - رغم ما تواجهه من عثرات - ما يحزننا علي تشرذمنا الاقتصادي. ننسي - أو نتناسي - أن مواطني المنطقة العربية كانوا يتنقلون - قبل 1948 - بلا جوازات سفر. ولا تأشيرات دخول. يضع المرء متاعه علي كتفه. ويمضي. مقصده الأهم أرض الحجاز. سعيا لأداء فريضة الحج. وزيارة الروضة الشريفة. لم يكن المسافر يواجه اسئلة من نوع: من أنت؟ من أين؟ إلي أين؟ ولم يكن يطالب بتقديم أدلة إثبات من أي نوع. أذكر ترددي علي الدائرة الجمركية بميناء الإسكندرية. أجول دون حسيب ولا رقيب. أعبر البحر داخل فلوكة بين رصيف وآخر. لا ألتفت ورائي. ولا أتوقع سؤالا يضعني في الغربة.
قد يعدل المسافر عن استكمال رحلته في رحلة الذهاب أو العودة. ينزل في مدينة أو قرية ربما تتغير فيها ظروف حياته. لا أدري - علي وجه التحديد - متي. ولا أين. قدم جدي قاضي البهار. لكنه تخلف- أثناء رحلة الحج - في القاهرة. فأقام فيها. ذلك ما فعله ابن خلدون والشاذلي والمرسي أبو العباس وعشرات من علماء ومثقفي المغرب العربي الذين تحولوا إلي أوردة في جسد الثقافة المصرية "كلنا ولاد إسلام". لم يهمل التعبير مواطنة المسيحي. أو اليهودي. لكنه كان يقصد الدولة الواحدة التي ترعي كل مواطنيها. بصرف النظر عن انتماءاتهم الدينية. ثمة الانتماءات اللغوية والتاريخ المشترك والمشاعر المتقاربة والموروث الذي ينهل من نبع واحد. ثمة لقب المصري علي عائلة أردنية. والمغربي علي عائلة مصرية. بل وثمة ألقاب تنتسب إلي مدن صغيرة في بلد عربي. تطلق علي عائلات في أقطار عربية. تتعدد مدنها وقراها.
المفردات التي تصل بين الأقطار العربية. وتؤهلها لدولة العرب والواحدة. أكثر - وأعمق - من المفردات التي تصل بين دول الاتحاد الأوروبي. ولعل المثل الأوضح أن دول الاتحاد الأوروبي تتحدث العديد من اللغات. بينما العربية هي اللغة الرئيسية للشعب العربي بتعدد أقطاره.
أثق أن إنشاء دولة للصهيونية في قلب الوطن العربي. كان له تأثيره المباشر الأخطر بعد مؤامرات سايكس بيكو. وتقسيمات الاستعمار الأوروبي لأقطار المنطقة الواحدة.
العقبة الأخطر في استاتيكية المواقف العربية. تتمثل في النوازع القبلية والعشائرية التي تنتصر للذات. أو للجماعة المحدودة. أو المحددة.
في المقابل. فإن المخططات الصهيونية تستهدف تقسيم لبنان إلي مناطق مسيحية. وإسلامية سنية. وإسلامية شيعية. ودرزية. وتقسيم سوريا إلي أربع مناطق للمسلمين السنة. والعلويين. والدروز. والأكراد. وتقسيم العراق بين الشيعة والسنة والأكراد. فضلا عن نشر النوازع العرقية والقبلية في الأقطار العربية الأخري.
المشكلات خطيرة. الأخطر هو تجاهلها. التقاعس عن ايجاد حلول لها: الحرب الأهلية في سوريا. وإصرار القوي الأجنبية علي تصفية القدرات العسكرية. واستنزاف المقومات الاقتصادية والثقافية. حتي التراث يحرصون علي سرقته أو تدميره. وإن زعموا الدفاع عنه. الحرب القبلية والطائفية بين قبائل اليمن وقبائل الحوثيين. سيطرة إرهاب داعش علي مساحات واسعة في ليبيا والعراق وسوريا. وتطلعه المجنون لدولة خلافة قوامها المذابح والخرائب وجماجم البشر. والعيش فيما قبل الضمير الإنساني.
متي نفيق؟!