المساء
مؤمن الهباء
شهادة .. لا تعديل.. ولا تغيير "2"


كتبت بالأمس في هذه الزاوية أن التعديل الوزاري الذي شهدناه مؤخرا لم يكن به شبهة تعديل أو تغيير.. لا في الشكل ولا في المضمون.. كان مجرد تبديل أسماء.. ثم جاء بيان الحكومة أمام مجلس النواب ليؤكد أكثر وأكثر أننا محافظون علي نهجنا القديم... بل الموغل في القدم.
سبقني كثيرون بالإشارة إلي أن البيان يقدم وعودا وآمالا وطموحات عريضة.. لا يختلف عليها أحد.. فإن أردت تقريظ البيان فتوقف عند هذه الوعود الجميلة وتحدث عنها كثيرا.. هذا ما درج عليه السابقون.. والسابقون علي السابقين.. أما إذا أردت أن تبحث عن الجديد.. عن التعديل - أو التغيير - الذي حدث بعد 5 سنوات من الوعي فسوف تتعب نفسك ثم لا تجد شيئا.
كان التعديل - أو التغيير -يقتضي أن يقدم رئيس الوزراء للبرلمان برنامجا زمنيا تلتزم به حكومته.. يتضمن خططا واضحة بمواعيد وتوقيتات وميزانيات محددة لكل مرحلة من مراحل التنفيذ.. حتي يتسني للبرلمان أن يقوم بواجبه في المتابعة والمراقبة والمساءلة.. ويسهل عليه اكتشاف مواطن الخلل ومواضع القصور فيسأل ويستجوب ويسحب الثقة إذ وجد في أداء الحكومة ما يستدعي ذلك.. لكن هذا لم يحدث.. فقد اكتفي رئيس الوزراء بتقديم بيان الطموحات والآمال بعبارات إنشائية فخيمة تصلح مانشيتات وعناوين عريضة للصحف.. واختار لبيانه عنوانا متفائلا "نحن نستطيع".. وهو عنوان يصلح لخطبة إنشائية حماسية أمام الجماهير وليس لبيان الحكومة أمام البرلمان.
نعم نحن نستطيع فعلا.. لكن ليس بكلام مرسل.. وحديث عن النيات الطيبة في المستقبل.. وإنما بخطط حكومية محددة وملزمة.. ومن لم ينفذ خططه والتزاماته فعليه أن يسأل ويحاسب ويترك موقعه لغيره.. هكذا تسير الأمور في البلاد التي سبقتنا إلي الديمقراطية الحقيقية.. وهكذا يجب أن تسير عندنا.
وعندما تعرض رئيس الوزراء في بيانه لمشاكلنا المتراكمة آثر أن يسهب في وصفها وتذكيرنا بها.. الزيادة السكانية والبطالة والتضخم وارتفاع عجز الموازنة وعجز الميزان التجاري.. لكنه - أيضا - لم يطرح حلولا عاجلة ولا خططا لمعالجة هذه المشكلات ببرامج وتوقيتات.. وإنما اكتفي بالتأكيد علي أن الحكومة ستواجهها وتعمل علي حلها.. كأنها لم تكن تواجهها علي مدي الشهور الماضية ولم تعمل علي حلها.. حتي وصل الدولار إلي عشرة جنيهات.
البعض يقول لا بأس.. لتكن محاسبة البرلمان للحكومة علي أساس الوعود والآمال التي تحدث عنها رئيس الوزراء في بيانه.. وهذا تبسيط للقضية.. فهل يساءل أحد أو يحاسب علي وعوده وآماله ونيته الحسنة.. كلنا نحلم.. ولا حساب علي الحلم.. وإنما الحساب علي الخطط والبرامج والميزانيات المرصودة والتوقيتات المعروفة سلفا.. وأظن أن الظروف الصعبة التي نمر بها ليست - في جانب من جوانبها - إلا حصاد التساهل في تطبيق آليات المراقبة والمحاسبة البرلمانية للحكومات المتعاقبة طوال السنوات الماضية.. وإذا حدث وانفلت أحد النواب ليسأل الحكومة أو يسائلها عن عدم تنفيذ أي من الآمال العريضة الواردة في بيان رئيس الوزراء كان المبرر جاهزا باستمرار.. وهو عدم وجود ميزانيات كافية.. ودائما الميزانيات غير كافية.. لكن الثقة في الحكومة كافية جدا جدا.
المعادلة معروفة عندنا: أحزاب ضعيفة.. وبرلمان مشتت غير مسيس ومطعون في معظم أعضائه.. ونواب لهم مصالح ومطالب لدي الوزراء.. وحكومات بلا برامج ولا سياسيات.. إذن فلا تنتظر أن تكون هناك التزامات حكومية محددة قابلة للمساءلة.. حتي ولو كانت في قضايا حيوية مثل سد النهضة والمصانع المغلقة وضعف الاستثمارات والارتفاع الجنوني في الدين العام وتآكل الاحتياطي النقدي وعجز الميزانية وتدهور السياحة وتحويلات المصريين في الخارج.
عندما يحدثنا رئيس البنك المركزي أن الدولار سيصل إلي أربعة جنيهات فإننا نندهش ولا نعرف كيف.. أما حين يحدثنا رئيس الوزراء في بيانه عن قرارات صعبة "مؤلمة" فإننا للأسف نعرف كيف سيحدث ذلك - ولا نملك إلا أن نستعيذ منه ونطلب الرحمة.. فلم يعد في قدرتنا تحمل المزيد من ارتفاع الأسعار.. أو المزيد من الضرائب.
كنا ننتظر من بيان الحكومة أن يأتينا بالعدالة الاجتماعية حتي نشعر أن حياتنا تتغير للأفضل.. لكن البيان جاء بالعكس.. ويبدو أنهم لذلك قرروا عدم بثه علي الهواء مباشرة.. ولذلك أيضا صفق النواب كثيرا.. فنحن في الحقيقية لا نحب التغيير أو التعديل.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف