فداؤك نفسي يا رسول الله.. فداؤك نفسي. وأنت تسير في طرق مكة المكرمة هادئ النفس. قرير العين بإيمانك الراسخ. وطهارة قلبك. وأنت الأمين بين أهلك وناسك. يحبونك لصدقك. لأمانتك. يحترمون فيك الوقار واطمئنانك. يخشون عزتك وجلالك. يلقبونك بالصادق الأمين. منذ عرفك القرشيون. ما جربوا عليك كذباً قط. لم يعرفوا عنك منازع الشباب ولهوهم. ولا طغيان الجبارين وظلمهم.
فداؤك نفسي. وأنت التاجر الصدوق الأمين الذي عمل في مال خديجة - وقد تعدي العشرين بقليل - يعود من الشام بتجارته محققاً ربحاً وفيراً. لا طمع فيه. ولا استغلال حتي تنبهر خديجة بذكاء هذا الفتي ورجولته في التصرف. وشهامته في العمل. وصدقه وأمانته في التجارة. حتي ترسل إليه من تلمح له بخطبتها إليه.
فداؤك نفسي يا رسول الله. حين تعبدت في الغار. تناجي ربك. فيناديك عن طريق الأمين جبريل. الذي أتاك بالنبأ العظيم. ويأمرك رب العزة بالقراءة وأنت الأمي. ليكون ذلك إعلاماً للأمة بأن الكلمة هي سر الوجود. وهي عقل الدعوة. بها يعمر الكون. وتنهض البشرية. وتشتعل العقول فكراً وبحثاً ليكون العلم هو العبادة الحقة التي خلق الله البشر من أجلها "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون".
فداؤك نفسي يا رسول الله. نبي الرحمة والإنسانية. هادي العقول المتطلعة إلي وحدانية الخالق. تضيء النفوس التائهة لتندفع إلي الاغتسال من الحقد والغل والضلال. فيعم السلام بين البشر. وتسود المحبة. تنطلق العقول بحثاً عن الخير والسعادة وحرية الإنسان. فأنت الهادي إلي سواء السبيل. وأنت منبع كل خير. الداعي إلي كرامة البشر. ووحدانية الله. أنت الشفيع الحبيب وسيد الخلق أجمعين.
فداؤك نفسي يا رسول الله. وأنت الأعزل الذي تحدي أمة جبارة لم تلن إلا لغوي. ولم تخضع إلا لجبار. تواجهها وحدك وأنت واقف علي أعلي الجبل تنادي عليهم يا بني فلان.. يا بني فلان. حتي إذا ما تجمعوا قلت لهم: لو أني أخبرتكم ان خيلا وراء هذا الجبل. لكنتم بمصدقي؟.. قالوا: - نعم. ما جربنا عليك كذباً قط.. حينئذ انفجر الحقد من قلوبهم وانهمر الشر في عيونهم حقداً وحسداً. مستكبرين أن يختص بنو هاشم بظهور نبي رسول الإنسانية من الله إلي الناس.
نفسي فداؤك. وأنت اليتيم إلا من الخير تقدمه للبشر لتخرجهم من ظلمات العقول الضالة إلي صباح الوحدانية التي تكرس للإنسان كرامته. وتنبت له الحرية غير خاضع الا للخالق الواحد الأحد الفرد الصمد.
فداؤك نفسي يا رسول الله. وأنت الأمي أبلغ الخلق بياناً. قدست من أمي. أوتيت جوامع الكلم. تبهر أصحاب الفصاحة. وفرسان الكلمة. تقرأ عليهم قرآن رب العزة الذي تحدي فصاحتهم وبلاغتهم فعجزوا. ان يأتوا بسورة من مثله. يشهد أحدهم حين سمع منك آيات القرآن الكريم فقال ان له لحلاوة وان عليه لطلاوة وانه يعلو ولا يعلي عليه.