الأخبار
جمال زهران
ضوء أحمر .. البعد الغائب في برنامج الحكومة: مكافحة الفساد
طالعت برنامج الحكومة وحرصت علي متابعة إلقائه، والتغطيات الصحفية والعناوين المبرزة لقراءة ما وراءها، ومحاولة بلورة رأي موضوع بعيدا عن غوغاتيي الرفض المطلق والتأييد الجماعي وبداية أشير إلي أن تغييب نص المادة (١٤٦) من الدستور، يعتبر خطأ جوهريا سيظل عالقا في طبيعة العلاقة بين الحكومة والبرلمان. حيث أن بداية نص المادة: «يكلف رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء بتشكيل الحكومة وعرض برنامجه علي مجلس النواب، فإذا لم تحصل الحكومة علي ثقة أغلبية أعضاء مجلس النواب خلال ثلاثين يوما علي الأكثر، يكلف رئيس الجمهورية رئيسا لمجلس الوزراء.. الخ المادة. وهذا بيت القصيد. فالبداية الخاطئة ستؤدي إلي كوارث قادمة فضلا عن أننا في بداية التأسيس لواقع جديد في ظل دستور جديد. ومن ثم فإن عدم ترسية قواعد واضحة وصريحة للعمل في ظل الدستور، ربما يكشف عن نوايا غير طيبة تجاه هذا البرلمان.

فقد سبق أن كتبت في هذا المكان مناديا بضرورة أن يبادر رئيس الحكومة بتقديم استقالته أو يطالب الرئيس بذلك، ثم يكلف الرئيس رئيسا للوزراء حتي لو كان ذات الشخص، لا بأس، وهو ما لم يحدث، والذي حدث هو: تعديل وزاري محدود «تغيير ١٠ وزراء أغلبهم هامشي»، وصفته مجلة حكومية علي غلافها الخارجي بأنه تعديل مشبوه، بينما وصفته في حديث لي، بأنه تعديل غير دستوري لأنه يقفز علي المادة (١٤٦) من الدستور، وكأن الأمر تحصيل حاصل، أو أن هذه الحكومة سبق أن حصلت علي الثقة، وتعدل من تشكيلها! وربما وصل الرئيس ذلك الرأي، فعالج الأمر بخطاب إلي رئيس البرلمان يبلغه فيه بتشكيل للحكومة، ومطالبته بمنح الثقة إياها بعد عرض بيانها علي السادة أعضاء البرلمان. وهذا قد يكون معالجة جزئية، لكن ما حدث هو محاولة تنفيذية لتقليل شأن البرلمان أو تقزيم دوره في المستقبل وهي جوهر الرسالة الخفية. وعندما تحدد موعد إلقاء بيان الحكومة التي دخلها عشرة وزراء جدد من (٣٣) وزيرا، لا يعرفون شيئا عن نصيبهم في البرنامج الحكومي، وبالتالي عليهم تنفيذ ما هم مطالبون به ليكونوا وزراء تنفيذيين، لا مشاركين في صنع القرار والسياسات!

وتضمن البرنامج أفكاراً إيجابية في العموم، مقابل أفكار سلبية غامضة تتعلق بمصير الفقراء والمهمشين الذين تتحدث عنهم الحكومة شفاهة، بينما أفعالها في ضوء سياساتها الحقيقية تميل لحماية الأغنياء، وعدم العمل الجدي للنهوض بالفقراء وتوسيع قاعدة الطبقة الوسطي، وهي ذات ونفس سياسات حكومات مبارك وآخرها حكومة نظيف، الذي أضحي رجاله يعملون الآن مرة أخري في صياغة وإعداد البرنامج ولقاء نواب كل محافظة لاسترضائهم!

كذلك فإن الفيصل في البرنامج الآن هو التجاوب مع متطلبات ثورتي ٢٥ يناير، ٣٠ يونيو وفي مقدمة ذلك حتمية مكافحة الفساد وفقا لأجندة واضحة هدفها توفير موارد جديدة وحقيقية قد تصل إلي تريليون جنيه في بند واحد وهو استعادة الأراضي المخصصة للزراعة وتحولت إلي «كمبوندات» أي تجمعات سكانية خمس نجوم بها حمامات سباحة وملاعب جولف (بالمناسبة إن ري الملعب الواحد يكفي شرب ١٤ ألف مواطن) وقصور وفيلات، وخصصت بأبخس الأثمان، وفي ضوء العقد شريعة المتعاقدين، فلابد من إلغاء العقود فوراً، ومواجهة مراكز القوي بحسم، وإن أرادت الحكومة ذلك لفعلت، لكن غياب الإرادة السياسية، والخضوع لجماعات الضغط ونفوذ الكبار الذين يستمتعون بكل البلد وهم أقلية علي حساب الأغلبية الكاسحة، تحول دون ذلك، لكن عواقب ذلك كبيرة ولن يقدر علي مواجهتها أحد آنذاك، وقد تشرفت أنني كنت أول من فتح هذا الملف بطلب إحاطة عام ٢٠٠٧م، تحول إلي استجواب تحت قبة البرلمان (٢٠٠٥ ـ ٢٠١٠)، ثم تحول إلي قضية عامة تحتاج إلي حسم.

فضلا عن ذلك الغياب في برنامج الحكومة بشأن مكافحة الفساد، فإن المصيبة الأكبر أن الذين يفتحون ملفات الفساد لمساعدة الحكومة تأييدا لما تصرح به ليل نهار، يتم التنكيل بهم، وأذكر التنكيل بالعقيد في الرقابة الإدارية الذي فتح ملف قصور الرئاسة الذي صدر بشأنه حكم نهائي ضد مبارك وأسرته، كما يتم التنكيل بي في الجامعة لكتابة مقالات غير محددة الأسماء، ولأنهم يعرفون أنفسهم، فكان التنكيل هو الحل لديهم حتي إزهاق روحي، فمن يرضي بذلك يا حكومة إسماعيل، وأين الرقابة الإدارية مما يحدث؟! لقد استشعرت القلق لغياب مكافحة الفساد بشكل واضح في برنامج الحكومة، وأخشي انحسار الأمل، ومازال الحوار متصلا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف