** قبل أن تقرأ:
هذا حديث عن مباراة مصر ونيجيريا، وعن الفرحة العارمة بالفوز، وعن الحشود الجماهيرية فى الأندية، وفى المقاهى وفى المدرجات.. فلماذا كل هذا؟!
** الإجابة: ظهرت نظريات عن كرة القدم وأهميتها بعدما زادت شعبيتها. وقيل إن الفريق هو البديل للوطن. ولم يقنعنى هذا التفسير أبدا، فلا يمكن اختصار وطن فى فريق. إلا أن الكثيرين وجدوا فى اللعبة متنفسا لحالات الاختناق السياسى، والاقتصادى، والنفسى.. لكن ماذا يقول هؤلاء عن الشعب الألمانى الذى احتفل بفوزه بالمركز الثالث فى مونديال 2006 بخروج الملايين لتهنئة لاعبى المنتخب؟ هل الألمان أو شعب اليابان وكوريا الجنوبية يعانون حالات الاختناق السياسى؟!
** إن تلك اللعبة أعمق وأوسع وأهم من أن تسطح، أو تعتبر هزلا.. فالمباراة الواحدة تكون أحيانا مثل دورة ألعاب فى الثقافة والسياسة والتاريخ والعسكرية والعلم والتكنولوجيا.. والشعوب ترى، بجانب ذلك، فى مباريات كرة القدم فرصة للترويح والخروج عن الروتين، والقانون الصارم الذى يحكمها فى الشارع والمكتب والعلاقات الاجتماعية والإنسانية. ولذلك نجد المواطن الألمانى والإنجليزى والإسبانى، فى الملعب ينفلت ويفرح ويصرخ وينفعل ويغضب وسط سلوك جماعى مماثل.. وهذا السلوك الجماعى مثير للبهجة فى جميع الأحوال بما فيه من مشاركة واتفاق.
** إن تفسير فرحة الشعب المصرى تحديدا بأنه يحتاج إلى انتصار، أو أنه محبط هو تفسير قاصر ومغلوط، وغير دقيق. بناء على ما سبق كله. فشعوب العالم كما شاهدنا وكما نعلم تحتفل بخروجها إلى الشارع فى الانتصارات، وهى ليست شعوبا محبطة. وهذا أبلغ رد فى رأيى على الذين يرغبون فى تسويق هذا المفهوم وتصديره إلى الناس.
** لا أوافق أيضا على منطق ربط الوطنية بتشجيع المنتخب أو فريق.. فهل من لا يحب كرة القدم ليس وطنيا؟ ربما نحن فى أشد الحاجة إلى فهم الشعور الوطنى، وكيف يكون هذا الشعور فى أوقات المحن والأزمات، لكن دون شك الانتماء للمنتخب مهم، إلا أن الوطنية تمتد إلى العمل، والبحث والإنتاج، والإبداع والابتكار وإعلاء قيمة النجاح.. ومن أسف أننا نختصر القيم كلها فى المال.
** صحيح أن كل عمل له مقابل. إلا أن من يعمل ويبدع يهتم بالدرجة الأولى بنجاحه وتفوقه. بينما يرى من لا يبدعون ولا يستطيعون أن كل شىء يجب أن يترجم إلى السؤال: بكم؟.. والمؤسف أن يترجم فوز المنتخب على نيجيريا أنه يمثل الفرحة الوحيدة للمصريين. وقد أتقبل أنها الفرحة الأولى، وليست الوحيدة. فكل مصرى يفترض أن يفرح بإنجاز، وبمصنع، وبطريق، وبتحسن خدمات التعليم والصحة، وبالحرية وبترسيخ الديمقراطية، وبتقدم علمى، وبانتصارات متنوعة فى مناحى الحياة المختلفة.
** لقد ترجم الإعلام الفوز على نيجيريا إلى مكافآت بآلاف الجنيهات.. والخبر هو أن كل لاعب سوف يحصل على 20 ألف جنيه أو مائة ألف.. فأولا هناك لائحة تطبق.. لكن هل تظنون أن محمد صلاح أو الننى يعنيه 20 ألف جنيه.. أم يعنيه النجاح وفرحة الناس؟ ثم هل هذا هو المقابل الوحيد للاعبين أم أن دورهم كمحترفين وكلاعبين يمثلون منتخب مصر أن يلعبوا ويجيدوا ويقاتلوا بروح رياضية ويفوزون.. ألا توجد قيم أخرى فى الرياضة وفى الحياة.. هل يلعب الإنجليز والإسبان والألمان من أجل المكافآت فقط لاغير؟!