الوطن
د. محمود خليل
السبيل (4)
رغم أن الدم الذى يجرى فى عروق الإخوة الثلاثة «مختار وفهمى وطارق» واحد، تدفق من شرايين الأب «على فهمى»فإن كلاً منهم تميز عن الآخرين بملامح خاصة. كان مختار طويلاً تميل بشرته إلى السمرة، متناسق القوام. أنفه أكثر أجزاء وجهه لفتاً للانتباه. كان يبدو كعلامة استفهام كبيرة. تكسو عينيه نظارة طبية، تعوّد ألا يخلعها حتى وهو نائم. تعرضت كثيراً للكسر تحت رأسه فى غمرة النوم، ورغم ذلك كان مصراً على هذه العادة. فالنظارة تحجب عن الإنسان الكثير من الأتربة والميكروبات السابحة فى هواء السبيل (كذلك كان يردد). أما شعره فقد كان خفيفاً من مقدمة الرأس ثقيلاً فى المؤخرة. وقد بدأت بعض الشعيرات البيضاء تغزو الذوائب منه بعد أن عبر السنة الثلاثين من عمره. هذا مختار أكبر إخوته. أما أوسطهم «فهمى» فقد كان وجهه أكثر انبساطاً متناسق التقاطيع. شعره كثيف وإن لم يكن ناعماً. ولكن تقاسيم جسمه كانت أعجوبة. كان أشبه بمثلث قاعدته إلى أعلى ورأسه إلى أسفل، بديناً وممتلئاً من أعلى ونحيفاً بشكل لافت من أسفل. كان نقيض القِدرة المعتدلة.. قِدرة مقلوبة. والصغير «طارق» هو أحسن إخوته طلعة، وأكثرهم تناسقاً فى بنيانه الجسدى. قوام معتدل لا يميل إلى القصر أو الطول. مبيض البشرة. كثيف الشعر فى غير خشونة. تطل من وجهه لحية سوداء جعلت وجهه أكثر إضاءة.

اعتاد «طارق» أن يشترى الفول للفطور كل صباح بعد أن ينتهى من أداء صلاة الفجر داخل زاوية السبيل، ويعده، ثم يوقظ «مختار» الذى اعتاد أن يستيقظ على صوت مؤذن الفجر، وأحياناً مع الجلبة التى يحدثها طارق فى المنزل قبل النزول لأداء الصلاة. وكان لا يترك السرير إلى أن يناديه طارق الذى بدأ يشعر بتململ مختار فى الفراش.

- طارق: دائماً تستيقظ فى الفجر، ومع ذلك لا تقوم إلى الصلاة!.

- مختار (فيما يشبه الهذيان): «يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم. لو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد وإرم».. ثم سائلاً نفسه بصوت خفيض: وهل من يسمعون يجاوز آذانهم؟.

- طارق: بماذا تهذى؟ طبعاً لا تجد كلاماً تقوله، والله لو علمت ما فى صلاة الفجر لقاتلتنا عليها بالسيوف!.

- مختار (فيما يشبه الهذيان): «قلوبهم معك وسيوفهم عليك.. عُد يا حسين. عُد!».

- طارق: يا أخى كلمنى كما أكلمك. دعك من هذا الهذيان. يا مختار أنت إنسان مثقف وعاقل. إنك أكبرنا سناً، وأولى بك أن تنصحنى وتنصح أخاك فهمى. هل يرضيك الحال الذى وصل إليه؟ إنه يصاحب أسوأ أهل السبيل.

- مختار (ساخراً): وأنت.. تصاحب أجدع أهله طبعاً!.

- طارق: على الأقل يعرفون ربهم!.

- مختار (مواصلاً سخريته): أى والله يعرفون ربهم.. (ثم فيما يشبه الهذيان): يأتون بأعمال الصدّيقين.. ويقتلون أبناء النبيين!.

- طارق: عدت ثانية للهذيان.. واضح أن دراسة التاريخ أتلفت عقلك.

- مختار (وهو يقوم): ما يفسده التاريخ يصلحه الطب.. يا طالب الطب.. دعنى الآن أفطر وأذهب إلى المدرسة. عندى الحصة الأولى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف