أهلاً بكم فى الدولة التى كنا نريدها مدنية، ولا أراكم الله مكروهاً فى صراخكم ضد تيار الإسلام السياسى وتطرفه وتصدره للفتوى وتحريضه ضد الدولة المدنية، ودعوته لإقامة دولة دينية يحق فيها لأصغر موظف أن يكون آمراً وناهياً وولياً وفقيهاً يتحكم فى حياة الناس ومأكلهم ومشربهم وأذواقهم بفتاوى دينية يحولها بختم الدولة إلى قرارات رسمية فى أكبر عملية خلط ما بين السياسة والدين، أو ما بين المسئول المدنى صاحب المهام والمسئوليات فى خدمة المواطن وبين الفقيه المتحكم الذى يسيطر على حياة المواطن ويحركها طبقاً لميزان فتواه.
فجأة ودون سابق إنذار ودون الاستناد إلى فتوى شرعية من الجهة الرسمية المنوط بها ذلك فى مصر وهى دار الإفتاء ودون حتى إظهار ورقة بأى فتوى صادرة من أى جهة رسمية فى مصر سواء الأزهر أو الأوقاف أو دار الإفتاء أو الكنيسة قرر اللواء إيهاب عبدالرحمن، مساعد وزير الداخلية لقطاع الأحوال المدنية أن يمنع أهل مصر من تسمية أبنائهم بأسماء مثل «عبدالرحمن وعبدالرسول وعبدالسيد.. إلى آخر قائمة هذه الأسماء» لأنها أسماء طبقاً لفتوى سيادة اللواء مخالفة للشريعة والعقيدة.
تماماً كما سمعت، هكذا أفتى اللواء دون مواربة ودون أى لف أو دوران، قالها فتوى صريحة وهو يحاور موقع «مصراوى» دون أن يخبرنا فى حواره بأى عملية فقهية تمت فى الموضوع لكى نحصل على هذه الفتوى، أم أنها من بنات أفكار وقناعات سيادة اللواء، وهل يحق أصلاً للواء شرطة أن يصدر فتوى بهذا الشكل وأن يحرم أو يحلل ما يريد أو ما يراه صحيحاً؟
نحن أمام موقف صعب..
سيادة اللواء إيهاب عبدالرحمن مسئول عن قطاع الأحوال المدنية وليس عن لجنة الفتوى أو دار الإفتاء، وبكل تأكيد قطاع الأحوال المدنية ليس جزءاً من الدعوة السلفية أو قسم الإفتاء بجماعة الإخوان، وهو بكل تأكيد لا يرتدى عمة أزهرية ولا يحمل لقب مفتى الديار المصرية، كما أنه طبقاً لمقتضيات وظيفته لا يدير منتدى سلفياً متشدداً على الإنترنت تخصص فى إصدار مثل تلك الفتاوى المتطرفة حول الموضوعات الفرعية. الغريب والمثير والمدهش أن سيادة اللواء وهو يصدر فتواه فعل ما لم يجرؤ على فعله شيخ الأزهر أو مفتى الديار المصرية، فلقد أفتى اللواء إيهاب عبدالرحمن للمسلمين والمسيحيين على حد سواء، وحددها هكذا عامة وقال إن المصريين «خلاص مش هيسموا أولادهم هذه الأسماء» دون أن يتطرق إلى أن فى هذا الوطن جموعاً ينتمون إلى ديانة أخرى وعشرات منهم يطلقون على أنفسهم وأولادهم أسماء مثل «عبدالسيد» وغيره، ولكنه مع ذلك قرر أن يفتى للجمع كله مسلم ومسيحى وكأن مصر وقطاع أحوالها المدنية قد خلا من كل المشاكل والأزمات ولم يعد أمامه أزمة سوى تلك المتعلقة بهذه الأسماء.
كنا نتمنى أن يخبرنا اللواء إيهاب عبدالرحمن عن حكم الشرع فى موظفى قطاعه المنتشرين فى كل القرى والمحافظات ولا تتحرك أيديهم للعمل سوى بالرشوة والإكراميات، كما نتمنى أن يفتينا عن حكم الشرع فى المسئول عن هؤلاء الموظفين الذين يتلاعبون بحياة المواطن المصرى ووقته، كنا نتمنى أن يصدر لنا سيادة اللواء فتوى بخصوص المسئول الذى يقف المواطنون بالطوابير أمام مكاتب مصلحته الحكومية وتتعطل أشغالهم، دون أن يرى أى تطوير أو خدمة جيدة المستوى.
كنا نتمنى ولكننا لا نحصل على ما نتمنى، وحسبى الله ونعم الوكيل، فلقد فقد المنطق رغبته فى أن يختم هذا المقال بأى كلمة.