حسن المستكاوى
الجمهور بطل مباراة نيجيريا .. ورمضان صبحى فيه «رائحة الخطيب» ..!
أبدأ بفوز المنتخب المهم على نيجيريا ، وقد رفع ذلك من تصنيفه ليدخل فى المستوى الأول من مجموعات إفريقيا فى
تصفيات كأس العالم . ومازلت أرى أن القضية ليست التأهل للمونديال ( كلكم تقولون الآن بس نتأهل ) .. ولكن الأهم كيف نلعب فى روسيا إذا تأهلنا .. لكنى أعود إلى الفوز على نيجيريا ، فكان أهم مافيه هذا الحضور الجماهيرى الكبير ، والتشجيع المثالى . وإذا كانت الكرة للجماهير فهى بالفعل للجماهير.. ألم يكن الذى حضر اللقاء هو الجمهور ؟ هل يوجد جمهور من نوع وجمهور آخر من نوع ؟ .. الفوز كان صعبا لأن الفريق النيجيرى عنيد وعنيف وغنى بمهاراته الفردية ، إلا أنه يفتقد الأداء الجماعى ، الذى كان عليه فى عصوره الذهبية خاصة فى حقبة التسعينيات ..
والمباراة بداية صناعة جيل جديد للمنتخب ، وليس جيلا للكرة المصرية، فهناك فارق سوف نتحدث عنه فيما بعد . وهذا الجيل يحتاج إلى مزيد من الاحتكاك والخبرات ، وهو يضم مواهب ، محمد صلاح ، الننى ، عمر جابر، حجازى ، ربيعه ، طلبه الصلب . ورمضان صبحى الذى أشم فيه رائحة الخطيب .. يملك رشاقة الجسد ، والقوة البدنية . إلا أن الفارق بين الخطيب الرائع ، وبين الخطيب الصغير ، يصنعه الفارق بين كرة السبيعنيات ، وكرة القرن الحادى والعشرين .. فكان محمود الخطيب رساما بقدميه ، وعنده المساحات ليفعل ذلك ، بينما رمضان صبحى مقاتل بقدميه ، بعد أن ضاقت المساحات ..
نجوم مباراة نيجيريا هم بالترتيب : حجازى وربيعه ، وطلبه وعمر جابر ، والشناوى ، وصلاح أيضا الذى قدم درسا رائعا فى تحول المهاجم إلى ظهير حين قام بتغطية دفاعية رائعة فى الشوط الثانى .. لكن صلاح مازال يفتقد أبوتريكة الذى كان يسعفه بالتمريرة الساحرة فى أسرع وقت ممكن وفى أدق نقطة ممكنة .. وقد كان أداء المنتخب حذرا ، وتراجع خط وسطه كثيرا للخلف تاركا مساحات للفريق النيجيرى فى وسط الملعب . كما أنه لعب بدون جناحين ، ولعب فقط بظهيرين . بينما تأخر الوسط فى التحول من موقف الدفاع إلى المساندة الهجومية . فظل هجوم الفريق يعانى من النقص العددى .. فكانت المباراة مثل مائة مباراة سابقة ( عنق زجاجة ) .. ودعونا نحلم بزجاجة بدون عنق فى يوم من الأيام ..!
فوز المنتخب على نيجيريا لايعنى أن الكرة المصرية بخير .. فمازالت اللعبة تعانى من نقاط ضعف ومن ثغرات .. فالمنتتخب ليس هو الكرة المصرية .. هكذا أحاول منذ سنوات طويلة أن أعرض التعريف الصحيح للكرة المصرية ، فكلما حقق المنتخب الوطنى إنتصارا ، تعلو نغمة : "الكرة فى مصر بخير . وكلما خسر المنتخب مباراة أو بطولة تدور عمليات الندب، وتنصب سرادق العزاء فى المغفور لها الراحلة " .. وهذا يدلل كيف تدار صناعة كرة القدم فى بلدنا بكل مستوياتها ، فى الإتحاد ، والأندية ، والإعلام .. ويؤسفنى جدا أن الذين يديرون كرة القدم فى مصر لا يعلمون ما هو تعريفها .. وإذا كانت كرة القدم فى دولة ما يقصد بها المنتخب ، فإن الإنجليز على سبيل المثال ، عليهم قطع شرايين أيديهم ، لأن منتخب بلادهم لم يفز سوى ببطولة واحدة ، وهى كأس العالم 1966 ، على مدى أكثر من 150 سنة ، وتحديدا منذ أن تأسس الإتحاد الإنجليزى فى مساء 26 أكتوبر عام 1863 ..
لكن عند الإنجليز أقوى دورى فى العالم ، وأغنى مسابقة فى العالم . ويحتل البريمير ليج المرتبة الأولى عالميا منذ 20 سنة . فالكرة الإنجليزية هنا ليست المنتخب ، وإنما هى الحضور الجماهيرى ، المدرجات كاملة العدد فى كل المباريات ، والمسابقات المحلية ، وفى مقدمتها الدورى وكأس الإتحاد ، وموعده الرسمى الثابت من أيام تتويج الملكة اليزابيث ، فى عام 1952 . والكرة الإنجليزية هى الملاعب الجيدة ، والإستادات التى تحتوى مظاهر الترويح المختلفة ، بجانب كيفية ترويج حقوق البث التليفزيونى ، وقد ارتفعت القيمة إلى مايقرب من 7 مليارات و200 مليون دولار فى الفترة من 2016 إلى 2019 . ثم هناك اللوائح والنظام ، والإلتزام ، والصناعة ذاتها التى جعلت الأندية غنية . فهناك 9 فرق ضمن أغنى 20 ناديا فى العالم . فيما ربحت الأندية الإنجليزية فى الموسم الماضى 4.34 مليار يورو مقابل 2.45 مليار للألمان .. والمال من دلائل قوة المنافسة والمسابقات المحلية ..
إن تجارب العالم تظل نقطة ضوء تستحق الدراسة . فألمانيا حين هزمت عام 2000 فى كأس الأمم الأوروبية ، قررت بدء عملية إصلاح كبرى لمدة 10 سنوات . واهتمت بالناشئين وبمدربى الأجيال الصغيرة ، فأنتجوا 18 ألف مدرب مقابل 900 فقط مثلهم فى إنجلترا . وبات منتخب المانيا قوة، واستعاد مكانته وتوج بطلا لكأس العالم . وفى الوقت نفسه قرر الألمان دراسة تجربة الإنجليز فى المسابقات المحلية ، كى يحقق البوندزليجا نفس النجاح الذى حققه البريمير ليج . هم إعترفوا بتخلفهم ، عن الإنجليز ، من أجل الإصلاح ، فقد أدركوا فى ألمانيا أن الكرة الألمانية ليست المنتخب فقط على الرغم من الفوز بكأس العالم .. فهل نفهم ؟!
هل الكرة المصرية فيها من هذا أى شىء ؟!
ملاعبنا خالية من الجمهور ( الحضور فى برج العرب استثناء ) . وخزائن الأندية ، معظم الأندية ، خاوية ، والاحتراف مجرد أموال تدفع بدون واجبات ترد . واللاعب المحترف عندنا هو موظف فى شركة ، أو صاحب محل ، أو مجند ، أو طالب مشغول بالامتحانات . والكرة المصرية أيضا تعانى من سوء الملاعب ، ومن سوء الدخول والخروج إلى الإستادات. والكرة المصرية تعيش مايسمى بالحدوتة الموسمية التى تسمى البث الفضائى ، ومعارك هذا البث ، ولوغاريتماته ، بينما تعانى اللعبة والصناعة من النقل التليفزيونى ونوعياته ، وإخراجه ، وكيف تهتم الكاميرات برئيس النادى ، وليس بمهارات اللاعبين . والكرة المصرية تعيش كابوسا أزليا يعنى بملكية المنتج ، فهل هى الأندية أم الإتحاد أم رابطة الأندية التى يفترض أن تتولى إدارة المسابقات المحلية ؟!
والكرة المصرية تفتقد القياسات العلمية ، ورفع مستوى المدربين، وإختلال فى بورصة اللاعبين . وحتى اليوم لم تحدد ملامح دورى المحترفين .. فهل يكفى أن يكون إنجاز منتخب أو إخفاق منتخب معيارا لماهية كرة القدم فى مصر ؟!
نحن منذ سنوات أيضا نعانى من تيار جارف تختلط فيه الأشياء . تختلط فيه شرعية الثورة ، بمن ينتهزون حالة الثورة . تختلط فيه الحقيقة بالشائعة . والقيمة بالفضيحة . والسمعة الحسنة بتشويه السمعة ، إننا فى حالة خاصة ، ففى الوقت الراهن تيار صاخب يزحف ، ولاينصت ، ولايصدق ، ولايلتقط أنفاسه ، وهو تيار يتاجر بهدف وانتصار فريق ، ويزايد بخسارة نفس الفريق . وأذكركم بقصة تقدم منتخب مصر فى يوم من الأيام إلى المركز التاسع ، ويومها خرجت تصريحات وكلمات مذهلة أطلقها أصحاب التيار الجارف الذى تحتشد فيه مراكب ومواكب النفاق وكانت تلك التصريحات من نوع : "أن منتخب مصر هو تاسع فريق فى العالم من ناحية القوة ، وأنه أفضل من بلجيكا وفرنسا وغيرهما .. " ثم التصريح القنبلة الذى يعكس مستوى التنبلة : " أنصفنا الله سبحانة وتعالى بهذا التصنيف لأننا لم نصل إلى كأس العالم "
وكان معنى ذلك أن الله سبحانه وتعالى غير راض عنا لأن تصنيفنا تراجع إلى المركز رقم 53 قبل مواجهة نيجيريا يوم الثلاثاء الماضى ..
هذا تهريج يمارسه مهرجون ، وهذه لعبتهم بأسباب الجهل ، وممارسة الدجل الفكرى والرياضى فالتصنيف لايعنى المستوى الفنى بالدرجة الأولى ولكنه نتاج علاقات حسابية خاصة وفائدته الوحيدة يكون فى توزيع المنتخبات على مستويات . وهذا تهريج ، لأنه يغيب عقول الناس ويلغيها، ويضحك عليها ، ويضحك على النفس .
إن الكثير من مبارياتنا فيها فتن . وهتافات بعض الجمهور فيها تتحول إلى قذف وسب للاعبين و نرى فى مبارياتنا ضربا ، وصراخا، وإعتراضا قبل اللعب ، وأثناء اللعب ، وبعد اللعب .. ويخرج الفائز وهو يصيح : انتصرنا على المشككين . ويخرج المهزوم وهو يردد : حسبى الله ونعم الوكيل ..!
درجات اللاعبين
أحمد الشناوى ( 6.5 ) . طلبة ( 7 ) . حجازى ( 8 ) ربيعة (7) عمر جابر ( 6) . إبراهيم صلاح (5) . عبد الله االسعيد (7) . الننى ( 4.5 )
رمضان صبحى ( 7 ) محمد صلاح (6 ) . مروان محسن (4) .
البدلاء : حسام غالى ( درجته كابيتانو ) . تريزيجيه ( عداء) . عمرو جمال ( رأس يبحث عن قدم)!