التحرير
أحمد عبد التواب
هل يجبرون الدولة على إخلاء مساحات من سيناء؟
لا فكاك من التوقف الجاد والمتفحص لتفاصيل الإرهاب فى سيناء، وإعادة تقويم الدولة لأدائها فى مواجهة استمرار العمليات الإرهابية هناك حتى الآن، واستعراض الإرهابيين لقواتهم ومعداتهم وقدرتهم على إلحاق الخسائر الكبيرة فى صفوف القوات المسلحة وأجهزة الشرطة، مع التطوير المتصاعد لأسلحتهم حتى صار فى حوزتهم نوعيات تعجز عن إمتلاكها جيوش بعض الدول، مثل أحدث المدافع والصواريخ المضادة للطائرات والدبابات والمدرعات.

وكما أنه من البداهة أن يُحسَب أن هناك مدداً هائلاً لا يمكن أن يتوفر إلا بتسهيلات تتدخل فيها مخابرات دول معادية، فإنه يجب التسليم بأنه لا يمكن أن يكون مثل هذا الإرهاب، بقدرته على المواجهة والتصعيد، إلا بعد أن يكون له حاضنة مدنية لها وجود علنى قانونى فى هذه البيئة، حتى تتمكن من أن توفر له التستر وتمنحه الملاذ الآمن والإيواء بخدماته المختلفة، بما يصل إلى التطبيب من الجروح التى يُمنَى بها فى المواجهات المسلحة مع الجيش والشرطة!

وقد صارت هذه الحاضنة خطراً حقيقياً بعد أن كانت مجرد عائق يمنع أجهزة الدولة من التعامل بحرية خشية أن يقع ضرر على المدنيين.
هل استكانت الدولة إلى أن تتحول مهمة تطهير سيناء من الإرهاب إلى لعبة كرّ وفرّ لا أمل فى أن يكون لها نهاية وفق الطموح الوطنى؟
لقد بدأت المواجهة الحقيقية بالسلاح ضد هذه الجماعات الإرهابية بعد الإطاحة بحكم الإخوان، وكان الهدف المحدد أن تبسط الدولة سلطانها دون منازع على كامل أراضى الوطن، وأن تحتكر السلاح كشرط من شروط الدولة الحديثة ولا تسمح بحوزته إلا بترخيص منها وفق شروط خاصة، وأن تلقى القبض على من يقع بين يديها من حاملى السلاح غير المرخص، وأن تقاتل المارقين ممن رفعوا السلاح فى وجهها، وأن تمنع إمكانية خروج أى جماعة على النظام العام بإشهار السلاح ضد الأجهزة الرسمية وضد عموم المواطنين؟

البادى على السطح أن الدولة نجحت فى إنزال خسائر فادحة بالإرهابيين، وهى معلومات مؤكدة، ولكن الحقيقة المؤكدة الأخرى، الجديرة بالتوقف وإعادة الحسابات، هى أنهم لا يزالون يشكلون خطراً داهماً، وأن خطوط إمدادهم لا تزال تعمل بكفاءة، وأن البيئة الحاضنة لهم مستمرة فى ظل عجز االدولة عن التعامل معها، وأنهم يتمكنون من تجميع صفوفهم باستمرار والمضى فى إرهابهم وإيقاع قتلى وجرحى فى صفوف الدولة.

ولا يمكن لهم أن يتحقق هذا، وأن يستمر، إلا فى إطار هذه الحاضنة المجتمعية.

وقد انتبه كثير من المعلقين إلى هذا الخطر، حتى من صفوف المؤرَّقين بأمن الوطن على مواقع التواصل على الإنترنت، وطالب كثيرون بتوفير الظروف التى تساعد أجهزة الدولة أن تقوم بمهمتها التى لن يهدأ الضمير الوطنى العام إلا بتحقيقها.

ولما كانت حماية المدنيين مسألة لا خلاف على أولويتها، فقد طالب كثيرون بضرورة إجلاء المدنيين من المنطقة التى تُشكِّل مسرح العمليات الإرهابية وما يلحق بها من امتدادات هى البيئة التى تحوم حولها شبهة خدمة الإرهابيين، عندها سوف ينكشف الإرهابيون دون غطاء، لأن كل تواجد فى المنطقة سوف يعتبر إشهاراً لتحدى أجهزة الدولة السيادية بما يسمح لها بالتعامل معه دون الحسابات المعقدة التى تراعى الخوف من إضرار مواطن بريئ، لأن المواطنين الأبرياء جميعاً سيكونون خارج المنطقة.

ودون ضرب أمثلة من تجارب دول كثيرة، بعضها من أمهات الديمقراطيات، قامت بتهجير أعداد كبيرة من مواطنيها لظروف طبيعية مؤقتة أخف كثيراً من حالة الإرهاب الهمجى، فقد اتخذ عبد الناصر قراراً أكثر صعوبة بعد هزيمة 67 عندما تبين أن إسرائيل تتعمد ضرب المدنيين فى مدن قناة السويس لوضعه فى صورة العاجز عن حماية شعبه. وكان رد فعله فى اتجاهين: بينما كان يبنى حائط الصواريخ الهائل لمنع انطلاق طائرات إسرائيل بحرية واختراقها للأجواء وضرب المنشآت والبشر، كان هناك القرار الصعب بإجلاء ما قُدِّر آنذاك بنحو مليونى مواطن إلى الدلتا والوادى لحمايتهم من الخطر الإسرائيلى، ولإفساح مجال الحركة للجيش المصرى وتحريره من قيود واجبات الدفاع عن المدنيين التى قد تمنعه من تفعيل خطط تنال من العدو، الذى يُخشى منه أن ينتقم عن طريق إذلال الجيش بتعمد ضرب المدنيين.

وأما المحاذير والتبعات من احتمال اتخاذ قرار إخلاء منطقة العمليات فى سيناء، فيمكن القياس على الهجوم الضارى على قرار إخلاء الشريط الحدودى بالرغم من أنه تم بالتراضى مع السكان المغادرين.

من المتوقع، مع إتخاذ قرار إخلاء هذه المساحات من سيناء، أن تتجلى كافة أساليب الابتزاز والضغط على الدولة، بهدف عرقلة خطوتها لإبقائها فى حالة الاستنزاف، التى لا يبدو أن لها نهاية إذا دامت هذه الأمور وهذه الطرق التقليدية فى التعامل معها.

لذلك، لن يكون غريباً أن يعلو الصراخ وأن تصدر فوراً البيانات التى تشجب التهجير القسرى للمواطنين، والتى تستهجن عدوان الانقلاب على حق المواطنين فى العيش فى موطنهم، وسوف يتم تجاهل تام للأسباب التى أجبرت الدولة على اتخاذ مثل هذا القرار.

هل يمكن التوقف قليلاً ودراسة هذا الاحتمال بكل ما قد يترتب عليه، مع كل الاهتمام بأن يتم الأمر بالتراضى مع عموم أبناء سيناء الشرفاء المتضررين من الإرهاب والمدركين لوجوب التضحية من أجل تحقيق استقرار حقيقى.

أو التوصل إلى بدائل أخرى تخرجنا من مأزق الاستمرار فى لعبة لا نهاية لها، يفيد استمرارها عدواً لا طموح له سوى النيل من الدولة والشعب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف