المساء
مؤمن الهباء
شهادة- اقرأوا.. يرحمكم الله
علي مدي اليومين الماضيين اشتعلت مواقع التواصل علي شبكة الإنترنت الدولية بشريط مصور "فيديو" لأحد مذيعي التوك شو يقول فيه إن الفتح الإسلامي لمصر كان احتلالا عربيا.. وهو قول قديم ممجوج ومستهلك.. لكن يبدو أن المذيع أراد أن يساير موضة هذه الأيام.. موضة البحث عن شيء غريب وشاذ وصادم لتحدث به الفتنة وتشغل الناس فيتناقلوا اسمك وتصبح علي كل لسان.. بصرف النظر عن قيمة هذه الشهرة ووسيلتها.. فالغاية تبرر الوسيلة.. وسوف يمضي الزمن وينسي الناس حكايتك لكنهم سيتذكرون دائما أنك مشهور.
وقد ذكرني هذا المذيع بما قاله لي أحد الإعلاميين الكبار منذ ربع قرن تقريبا علي إحدي الندوات.. حيث أكد أن المذيعين - للأسف - لا يقرأون.. أو الغالبية العظمي منهم.. ويعتبرون أن القراءة والكتابة مهمة المعد "ولذلك تفضحهم الكاميرات" ويبدون كالتلميذ الذي لم يذاكر.. ولا حتي يعرف كيف يغش مما هو مكتوب له.
ولو أراد الأخ المذيع أن يقرأ حتي لا يبدو معلقا في الهواء.. أو يعاير بالجهل.. فسوف أدله علي كتاب قيم يقدم له كل الحقائق حول الموضوع الذي أفتي فيه بغير علم.. موضوع الفتح الإسلامي لمصر.. وهو كتاب يغنيه عن كل كتاب.. عنوانه "فتح العرب لمصر".. ومؤلفه هو المؤرخ الانجليزي ألفريد بتلر.. ويمثل هذا الكتاب المرجع الأساسي لكل الكتب التي تناولت المرحلة التاريخية للفتح من كافة جوانبها.. وكيف تم الفتح.. وموقف الأقباط من الفاتحين المسلمين.. يقدم كل ذلك برؤية علمية نقدية تقترب كثيرا من الموضوعية والحياد.. لا يعتمد علي الحكايات والروايات المنقولة.. وإنما يعتمد علي الوثائق والمشاهدات والمدونات التي كتبها القساوسة والرهبان الذين عاشوا في ذلك الزمن وتركوها محفوظة في الكنائس والأديرة المصرية.
صدر هذا الكتاب للمرة الأولي في سبتمبر عام 1902.. ثم أصدرته الهيئة المصرية للكتاب في سلسلة "تاريخ المصريين" عام 1989.. والكتاب بجزءيه يمثل تحفة علمية وأدبية أبدعتها يد الباحث الانجليزي المدقق د. ألفريد بتلر وقلم المترجم المصري المبهر الأستاذ محمد فريد أبو حديد أحد أعلام النهضة الثقافية المصرية في النصف الأول من القرن العشرين.. ورغم ذلك فإن أول ما يتوقف أمامه قارئ الكتاب ذلك العنوان غير الموفق "فتح العرب لمصر"" لأنه لا يعبر عن الحقيقة.. ففتح مصر لم يكن إنجازا عربيا.. وإنما كان إنجازا إسلاميا غير مجري التاريخ.. ولذا فقد كان الأصوب والأصدق تعبيرا أن يكون عنوان الكتاب "الفتح الإسلامي لمصر".
ما كان للعرب أن يفتحوا مصر إلا بالإسلام.. لم يفتحوها تحت لواء العروبة.. ولا باسم القومية العربية.. وإنما فتحوها باسم الإسلام وتحت لوائه.. وبصيحة هذه العقيدة الشابة اليافعة التي فتحت كل عواصم الشرق.. ومعروف تاريخيا أن جيش الفتح لم يضم العرب فقط.. وإنما كان يضم العديد من الأجناس والألوان والألسن.. لا يجمعهم ولا يربط بينهم إلا عقيدة التوحيد.
الإسلام إذن هو الذي فتح مصر.. لم يفتحها طلبا لملك بتوسع.. ولا لنشر لغة وفرض سيادة عرق.. ولا طلبا لموارد مالية وبشرية.. وإنما فتحها برسالة هداية حملها رجال أشداء لتحرير الشعوب من الظلم والاضطهاد.. وقد أثبت بتلر في أكثر من موضع في كتابه أن المصريين الأقباط كانوا واثقين أن الله قد بعث المسلمين لفتح مصر عقابا للروم الذين كانوا يحتلونها آنذاك وأذاقوها العذاب ألوانا.
في هذا الصدد ينقل "بتلر" عن الأسقف المصري "حنا النقيوسي" ما كتبه في سب الجنود الرومان وقادة جيشهم بعد أن هزموا أمام المسلمين يوم فتح حصن بابليون .. فقد سماهم في ديوانه أعداء المسيح الذين دنسوا الدين برجس بدعهم.. وفتنوا الناس عن إيمانهم فتنة شديدة لم يأت بمثلها عبدة الأوثان ولا الهمج.. وعصوا المسيح وأذلوا أتباعه.. فلم يكن في الناس من أتي بمثل سيئاتهم ولو كانوا من عبدة الأوثان.
ويعلق "بتلر" علي ذلك بقوله: "وإنه ليس بغريب من مثل الأسقف المصري أن يقول إن فتح الحصن للمسلمين لم يكن إلا عقابا من الله علي ما فعله الروم من الأفاعيل في القبط".
بقي أن أقول للأخ المذيع ولأمثاله ممن يفتون بغير علم: اقرأوا يرحمكم الله.. تواضعوا واقرأوا.. اكتب عنوان الكتاب أو اسم المؤلف علي "جوجل" فسوف تجد ما يسرك وتعرف الحقيقة.. ولكن عليك أن تتحلي بالصبر.. فالصبر هو مفتاح العلم ومفتاح الثقافة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف