ينطبق وصف «حانوتية الصحافة» على الصحفيين الذين يخرجون علينا بمجرد وفاة شخصية مرموقة أو صحفى ذى شأن مثل الراحل محمد حسنين هيكل، بكتابة مقال عن ذكرياتهم الخالدة مع الراحل، وكيف تأثر بهم.. وهنا مكمن المفارقة، فالأستاذ هيكل لم يتأثر بأى ممن كتبوا عنه بعد وفاته. وبالمناسبة كتب كثيرون مقالات رائعة عن أفكار هيكل ورحلة صعوده التى لم يهبط منها أبدا فى أسطورة حقيقية تستحق الدراسة.
ووصف «حانوتية الصحافة» ينطبق على الذى كتب أن الراحل رأى فيه الصحفى النابغة وأغدق عليه بالمكافآت والهبات والمناصب والترقيات وقتما كان يعمل معه. وآخر كتب أن قلمه قد جف بعد رحيل هيكل، ورغم بشرته لنا بجفاف قلمه أخذ يمتعنا بذكرياته مع الأستاذ، مع أننا ما صدقنا أن يجف قلمه.
المؤسف فى الأمر أن معظم الذين كتبوا عن هيكل، لم يكتبوا عن الراحل، بل كتبوا عن أنفسهم، ولعل فى هذا أمرا بالغ الخطورة وبعيدا عن المهنية تماما، لأن ما يكتبونه من وحى خيالهم لن يحاسبهم عليه أحد، فالشاهد توفاه الله. وكان حرى بكل هؤلاء الكتابة فى حياة هيكل لكى يرد، رغم أنه أيضا لم يكن سيرد على مثل هذه الخرافات.
ولا ننكر هنا أن بعض الصحف لجأت فى تخليد الراحل الى كتابات لصحفيين توفاهم الله، ولكنهم كتبوا ذكرياتهم مع هيكل وقت ما كان هو يقرأ كل مقالاتهم ويعلم الصادق والكاذب منها، وإن كانت مذكراتهم رائعة وحقيقية.
ومن «حانوتية الصحافة» أيضا، من يفاجئنا بأنه أجرى حوارا مع أى مسئول أو فنان أو مطرب بمجرد وفاته، فيكتب فى صدر حواره جملة أصبحت من علامات الصحافة المصرية وهى «فى آخر حوار للراحل»، وهذا أيضا عمل غير مهنى أو أخلاقي، لأن الحوار المنشور ربما يحمل إفكا وكذبا ، ولا يستطيع أحد مراجعته.
ومثل «حانوتية الصحافة»، شاعر الأغانى الذى يدعى بعد وفاة كل مطرب وملحن، أنه كان يستعد للغناء له لولا القدر الذى عاجله وحرم الجمهور من رائعته الشعرية.