البديل
محمد نور
هل أصبحت إخوانيا؟!
هل أصبحت إخوانيًّا؟! هذا هو أول سؤال سيُلقى على مسامعك حينما يختلف معك أحد السيساوية، سواء كان من المحبين للرئيس بحق، أو من الهتيفة وحملة المباخر أصحاب مقاعد الصف الأول في مسرح النفاق، حينما يدور النقاش بينك وبين أحدهم حول أداء الرئيس أو الحكومة.

فورًا ستُلقى عليك تلك التهمة، لمجرد أنك اختلفت معه في الرأي، أو انتقدت شيئًا في أداء الرئيس، الغريب أن الرئيس نفسه بدماثة خلقه المعروفة، يقبل أي نقد بصدر رحب، بل إنه أيضًا يستمع جيدًا لكل نصيحة، ولكل رأي أو مشورة، وهو ما كان واضحا جليًّا خلال لقائه مع الكُتاب والمثقفين.

فإذا كان الرئيس نفسه يقبل النقد ويتناقش فيه دون تعصب أو ضيق، فلماذا لا يقبله من هو غير معني بذلك النقد؟! هل لأنه يحب الرئيس فلا يقبل ذلك، أم لأنه من زمرة المنافقين، الذين يريدوا أن يظهروا بمظهر المحب، الوفي للسيد الرئيس؟ إذا كان السبب هو النفاق فهذا موضوع لا حاجة لنا في نقاشه، فهو غير ذي جدوى، أما إذا كان الحب هو السبب في ذلك، فهذا هو ما يستحق النقاش بالفعل.

بداية يجب أن نؤكد أن تلك الحالة لا يقابلها المرء منا فقط عند النقاش في السياسة، فتلك الحالة دائمًا ما تظهر حال حدوث نقاش بين اثنين حول شيء يختلفان عليه، ولنأخذ مثلًا بعيدًا عن السياسة.. فإذا دار حوار بين شخص أهلاوي مُحب متعصب، وآخر أهلاوي مُحب موضوعي، ستجد المحب المتعصب يدافع عن النادي دفاعًا غير عادي، ولا يعترف بأي تقصير أو إهمال في الأداء، إذا ما وُجه للنادي أي نقد، وتراه يلتمس ويختلق من الأسباب والأعذار ما يبرئ به ساحة النادي من الخطأ. كذا هو الحال مع من يُطلقون على أنفسهم «الناصريون»، فهم يرون الزعيم الراحل رجلًا لا مثيل له في الدنيا، والبعض اقترب من أن يضعه في مكانة تكاد تقترب من مكانة الأنبياء، وكذلك هم الساداتيون، ومجموعة آسفين يا ريس، ومن قبلهم السعديون نسبة لزعيم الأمة سعد زغلول.

وهذا ما يؤكد أننا أمام مُسلّمة لا تقبل الشك أو الجدل، وهي أننا ما زلنا نفتقد ثقافة الاختلاف. والغريب أن مثل ذلك الفكر يكاد أن ينقرض من دول العالم المتحضر، ونكاد لا نراه إلَّا هنا في مصر فقط، فمثلًا لم نسمع في يوم عن جماعة الغانديون نسبة للمهاتما غاندي، بالرغم من أنه كان له الكثير من الأتباع، ولم نسمع أيضًا عن الجيفاريون نسبة لتشي جيفارا، أو الصداميون نسبة لصدام حسين، أو القذافيون نسبة لمعمر القذافي، لكن هنا السعديون والناصريون والسادتيون، وآسفين يا ريس.

بداهة لا غضاضة في أن ينتمي أي شخص للفكر الذي يحلو له، والذي يتسق مع توجهاته وآرائه، لكن المشكلة في أنه يرى أن ذلك الفكر فقط هو الفكر الصحيح، وأنه لا يجوز لغيره أن يناقشه أو ينتقده. كذلك هو الحال الآن مع السيساويين، فحينما تقول إن هناك شيئًا في أداء الرئيس لا يُعجبك، أو لو وجهت نقدًا لتصرف أو قرار مُعين، ستجد نفسك تتعرض لهجوم غير مبرر وغير منطقي، وعلى الفور ستُلقى عليك تهمة أنك إخواني، لمجرد أنك انتقدت شيئًا في أداء الرئيس!!

ذات يوم دار بيني وبين صديق لي نقاش حول أحد القرارات التي اتخذها الرئيس، وللأسف وقع خلاف في الرأي بيني وبين صديقي، الذي قال بالحرف الواحد: «إن الرئيس لا يُخطئ أبدًا»!! استوقفته على الفور، وطلبت منه أن يستغفر الله على ما قاله، وبعد أن استغفر في عُجالة، فوجئت به يقول لي بصيغة استنكارية: هل أصبحت إخوانيًّا؟؟!! الغريب أن ذلك الصديق يعلم أنني من أشد الناس معارضة للإخوان ولجماعتهم، كما أنه يعلم جيدًا كم التهديدات والإهانات التي تعرضت لها على يد أولئك، جراء نشر مقالاتي طوال الفترة السوداء التي تولوا فيها شؤون البلاد، وخاصة بعد صدور كتابي «آلام الثورة بين طموحات شعب وأهداف الجماعة» في ديسمبر 2012، أي أثناء السنة السوداء التي حكم فيها المعزول البلاد، وبعد كل ذلك أجده يوجه لي مثل تلك التهمة البغيضة!! والغريب أنني ذلك لم يحدث معي فقط، فقد رأيت مثل ذلك المشهد مرات ومرات، مع العديد والعديد من الأشخاص، الذين كانوا ولا يزالوا يلعنون تلك الجماعة.

كل ما سبق يؤكد أننا في حاجة ماسة وضرورية لأن نتعلم ثقافة الحوار وثقافة الاختلاف، وضرورة أن نقتنع بأن الرئيس أو أي مسؤول بشر يُخطئ ويصيب، وأن كل بني آدم خطاء، وأن خير الخطائين التوابون، وأن نتعلم أنه من غير المعقول أن نهاجم إنسانًا ونتهمه لمجرد أنه اختلف معنا في الرأي، وأن نعي مفهوم «طوبى لمن أهدى إلي عيوبي».. وأن نتيقن أنه ما من إنسان كامل على الأرض من الأزل إلى الأبد إلَّا سيد المرسلين «صلى الله عليه وسلم» فقط، وأن نؤمن بأن «كلٌّ يؤخذ من كلامه ويرد عليه إلَّا هو صلوات ربي وسلامه عليه». فمتى نعي.. ونؤمن.. ونتعلم ذلك؟! «استقيموا يرحمكم الله».
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف