لماذا يجب أن يكون المثقف في أيامنا هذه تصادمياً مع كل ما هو ديني أو يرتبط بالدين؟ هل لكي يثبت للعامة أنه ليس منهم. ويتميز عنهم بالاعتراض وإنكار الثوابت لأنه "مفكر" ويعمل فكرة عكس عامة الناس الذين يسلمون بالثوابت التي وجدوا عليها آباءهم ثم أقنعهم بها علماء ثقات علي مر التاريخ؟
هل يشترط في الكاتب لكي ينضم لقافلة مثقفي مصر أن يهاجم المقدسات الدينية ومؤسسة الأزهر الشريف. ويؤكد أن مصر علمانية بالفطرة. وأنه يجب مقارعة الفكر بالفكر والحجة بالحجة حتي لو كانت أفكاره تناقض ما هو ثابت من الدين والسنة المطهرة؟
أقول هذا الكلام بعدما قرأت العبارات الرنانة التي رددها من يقولون إنهم مثقفون بسبب صدور حكم حبس الكاتبة فاطمة ناعوت بتهمة ازدراء الأديان ثم صدور حكم آخر بتأييد حبسها.
منهم من قال "إنه فقد شهية الكتابة وأصيب بالإحباط بعد سماعه خبر تأييد حبس فاطمة ناعوت" ومنهم من أعلن تضامنه معها ورفضه للحكم. ومنهم من قال "إن الدور جاي جاي علي كل المثقفين" ومنهم من قال "أكلت يوم أكل الثور الأبيض" ومنهم من قال "ينزلوا لنا الشارع بقي بالخرزانات" أما هي نفسها فقالت بعد تأييد حبسها "أنا أحد أكثر من دعوا للحب والمحبة بين الناس ومفردات الحياة حتي للحيوان وأنا أكثر من فني عمره علشان محاربة الطائفية والعنصرية وحماية الأقليات والمرأة والأطفال.. ما يحدث ضد أي قيم تعلمناها".
وما يثير العجب فعلاً ما ذكرته الدكتورة آمنة نصير الأستاذ السابق بجامعة الأزهر والعميد السابق لكلية الدراسات الاسلامية وعضو مجلس النواب.. قالت الدكتورة آمنة: "ازدراء الأيان عبارة فضفاضة. وكان يجب الرد علي فاطمة ناعوت بمقالة أو حوار أو الرأي المضاد لها".
الذي أعلمه أن هناك ضوابط وحدوداً لتفسير أي نص قرآني أو حديث نبوي وهو ما تعلمه الدكتورة آمنة نصير جيداً بوصفها من علماء الأزهر كما أن هناك حدوداً لحرية الفكر وبخاصة المنشور منه علي الملأ.. فالعملية ليست مطلقة وإلا لتركنا المثقفين يكتبون ويدعون للإلحاد والتشيع والفجور وممارسة البغاء والكتابة في تفاصيل العلاقة الزوجية كما فعل أحدهم منذ فترة قريبة وتمت محاكمته أيضا بتهمه نشر الفجور. وقامت قيامة المثقفين بسببه أيضا.. هل وقتها نقول إنه يجب مقارعة الحجة بالحجة لأن ذلك يدخل ضمن حرية الرأي والفكر؟!
فارق كبير بين إعمال الفكر فيما يخدم البشرية. وما يهدمها ويتهكم ويسخر من الشعائر الدينية بحجة التنوير وحرية الرأي وأعتقد أن أي قاض يحكم في قضية كهذه قل وصل لدرجة من الوعي والفهم ودراسة الشريعة ومقاصدها ومعرفة معاني الكلمات والمفردات المستخدمة والمنظورة أمامه بحيث يمكنه التفريق بين ما إذا كان ما ذكره المثقف يندرج تحت حرية الفكر أم الاستهزاء بالدين. فالأمر ليس كما قالت الدكتورة آمنة نصير بأن عبارة ازدراء الأديان فضفاضة فالعبرة هنا بمن سيفسر هذه العبارة ويحكم بوجودها من عدمه فيما قصده الكاتب.
ويكفي أن أذكر نص التدوينة التي نشرتها فاطمة ناعوت والتي أثارت الأزمة وأيضا التدوينات التالية لتدوينة الأزمة وهي متاحة لكل من يريد قراءتها علي شبكة الانترنت.
قالت فاطمة ناعوت قبيل صلاة عيد الأضحي المبارك "كل مذبحة وأنتم بخير.. بعد برهة تساق ملايين الكائنات البريئة لأهول مذبحة يرتكبها الإنسان منذ عشرة قرون ونيف" وبعدها بأربع ساعات استدركت- ربما بعدما نصحها اصدقاؤها- وقالت "عيد أضحي سعيد عليكم وعلي مصر وعلي العالم.. فداء طيباً وقرباناً مقبولاً لله رب العالمين وأضحية شهية وصدقات للفقراء" ثم علي ما يبدو بعد ازدياد الهجوم عليها وبعدها بساعتين رأت أن تكتب توضيحاً لعله يبرئها من الاتهام فقالت: "توضيح أخير.. أنا مسلمة لكنني لا أطيق إزهاق أي روح حتي ولو نملة صغيرة تسعي.. وليحاسبني الله علي ذلك فهو خالقي وهو بي أدري".
وبعد الأزمة تابعت لقاءين لهذه الكاتبة في الفضائيات للدفاع عن نفسها لكنني وجدتها تردد دوماً في لقاءاتها أسماء مفكرين مثل "ابن رشد" و"الحلاج" و"ابن المقفع" و"الأدهم ابن الأرقم" و"محمد عبده" و"بيرتراند راسل" الفيلسوف الانجليزي لأنها تعلم جيداً أن معظم المذيعين ومقدمي البرامج لا يعرفون شيئاً عن هؤلاء المفكرين ولم يقرأوا لهم أو عنهم وبالتالي فهي تخرسهم بدلاً من أن يجادلوها.
المفاجأة أنني وجدتها تنفي ما ذكرته في التدوينات وقالت في لقائها مع المذيعة ايمان الحصري في برنامج "90 دقيقة" إنني قلت في التدوينة إنه علي من يذبح الأضحية أن يحسن الذبحة ويجعل آلة الذبح حادة. ولا يجعل حيواناً آخر يري الأضحية وهي تذبح".
ما رأيكم في "حرية" فاطمة!!