نشوى الحوفى
بين أزمة الطائرة وأزمة الرجال
■ أوضحت أزمة الطائرة المصرية المُختطفة لمطار لارنكا حجم الأزمة التى باتت تعانى منها بعض النفوس فى بلادى. فما بين سرعة توجيه الاتهام للدولة بالتقصير أو الإهمال أو الخيبة الذاتية، وبين إطلاق التحليلات الضحلة عن قيام الدولة بافتعال الحادث للتعتيم على إقالة هشام جنينة! وبين الشماتة القاسية فى مصاب وطن ومواطنين تمنينا ودعونا عودتهم بأى ثمن، جاءت تعليقات السادة المُتنطعين على مواقع التواصل الاجتماعى لتثبت فقر الفكر وفكر الفقر الذى صار آفة تهدد معانى الرجولة فى بلادى. ولم يتوقف كل محلل جهبذ من هؤلاء عند ساعات سبقت الحادث حينما شاهدنا اقتحام مسلح للكونجرس الأمريكى وإخلاء البيت الأبيض من رواده. فطعنوا بلادهم وشاركوا فى تمزيق سترها كما تمنى من يحاربنا. ألا خيبكم الله.
■ وأثبتت أزمة الطائرة المختطفة قدرتنا على التعامل بحرفية مع الأزمات حينما نأخذ بالأسباب ويتعامل الرجال على قدر الموقف وتستيقظ كل قرون الاستبصار لدينا لا لحماية الأمن وحسب ولكن لحماية السمعة أيضاً. فرئيس الوزراء ووزير طيرانه ومساعدوهما فى مطار القاهرة منذ التاسعة صباحاً لمتابعة الأزمة على أرض الواقع بعد دقائق من حدوثها. وبياننا الأول مقتضب محدد يشرح الحادث ومتابعته حماية لأرواح مصريين لم نتأكد من حقيقة من قام بخطفهم. ورجالنا من القوات الخاصة على أرض مطار لارنكا فى أسرع وقت، وتواصلنا مع السلطات القبرصية رفع من دقة الأداء. ليفرج عن الركاب المصريين بعد نحو ساعتين من هبوط الطائرة أرض مطار لارنكا، ويفرج عن باقى الركاب وأفراد الطاقم بعدها بقليل ثم يعلن القبض على الخاطف وإرسال طائرة مصرية لإعادة الركاب لأرض الوطن سالمين. فتحية للرجال فى كل موقع ممن أداروا الأزمة بتلك الكفاءة أيا كانت خيبة الأجواء وسخافتها.
* ومنحت أزمة الطائرة الفرصة لنا للتعرف على قائد الطائرة الكابتن عمرو الجمل الذى تفهم الموقف ولم يغامر بحياة الركاب ولم يفكر ما إذا كان الخاطف صادقاً أم كاذباً وهبط فى مطار لارنكا حماية لأرواح الركاب ورفض وطاقمه الخروج من الطائرة مع المصريين وظل مع الركاب الخمسة الأجانب لأنه يعلم أنهم مسئوليته. كما منحتنا الأزمة التعرف على المضيفة ياسمين التى صاحبت الركاب المصريين فى خروجهم وعادت بثبات للطائرة مجدداً لتواجه مصيرها مع زملائها لحين انتهاء الأزمة. تحية للرجولة فى مواقف هؤلاء الذين أثبتوا لنا أن الرجولة لا تعنى النوع ولكنها تعنى المواقف.
■ وأوضحت أزمة الطائرة المختطفة خيبة الغرب وتراجع قيمه التى صدعونا بالحديث عنها، فما بين تصريح جون كيرى الهزلى يوم الجمعة الماضى عن أن بلجيكا لم تقصر أمنياً فى حوادث التفجيرات الأخيرة التى طالت مطار بروكسل ومحطات المترو! وبين اقتحام مسلح للكونجرس الأمريكى وآخر للبيت الأبيض قبل ساعات من اختطاف الطائرة، كانت ملامح الدهشة من تصريحات الغرب وتحليلاته عن تراجع مستويات الأمن فى مصر وعدم قدرة المصريين على التعامل مع الإرهاب والتقصير الأمنى الذى يراه السادة لدينا. ليدرك من له عينان قباحة الفكر الغربى وإصراره على الإضرار بنا والإساءة لنا استكمالاً للضغط علينا لتنفيذ ما خططوا له. فدعهم يمكرون فمكر الله أكبر وعهدنا مع بلادنا أشرف فقد أقسمت والطيبين من أهلى على ستر الوطن والذود عنه فبدلنا عبارة «النصر أو الشهادة» بعبارة «مصر أو الشهادة». فعنها يكون الدفاع ولها يوهب العمر وبها يكون الشرف.
■ يا سادة لا أملك بعد انجلاء تلك الأزمة سوى القول: «لعن الله الغباء والتسطح والانبطاح الفكرى».